الحب غير المشروط، تلك العبارة التي لطالما مرت على مسامعنا في قرائتنا للكتب والروايات العالمية، هو ذلك الحب الكامل المتكامل والحب الحقيقي الذي يسوده المودة والإخلاص، هو حب غير متغير وغير مقترن بأي مصلحة أو استغلال، هو حب خالص وبريء بدون مقابل مادي.
لو نظرنا قليلا في طبيعة علاقاتنا مع احبائنا واناسنا هل سنجد محبتنا لهم من نوع غير المشروط؟، ام محبة عادية تحكمها المكان والزمان وتخضع لظروف ومقابل مادي او معنوي؟
وحتى نتكلم بواقعية أكثر يمكننا القول بأن الحب غير المشروط لا يمكن ان يمنحه الانسان لأيّا كان، بل يجب ان يتصف الشخص بصفات خاصة وعامة ويقترن بمميزات كثيرة، كما ان المانح يجب ان يصل الى تلك الدرجة الرفيعة من البصيرة والإيمان الحقيقي بالمانح اليه... فالأمر ليس بتلك السهولة..
فلو تعمقنا أكثر في مصطلح الحب سنجد بين فروعه المعنوية عامل الانتظار الذي سيلعب دورا فعليا في حقيقة الحب غير المشروط، فما هي ملامح الانتظار غير المشروط؟
في بادئ الأمر يجب ان يتحلى المانح الحقيقي بالسخاء التام في المحبة مع عباد الله دون مقابل والذي يضمن من خلاله الرضا الإلهي والتقوى، فكيف لو كان هذا الحب لمن اختارهم الله وخصهم بالطاعة والتسليم المطلق؟
فهل سيكون الحب محاط بالظروف المكانية والزمانية؟، او سيقترن بأمور دنيوية، او خاضع لمصالح سياسية او عسكرية او اقتصادية، او متناسب مع الاوضاع الاجتماعية؟، بالتأكيد لا سيكون حبّا مخلصا وخاليا من كل ما ذكرت... وغير مقيد بأي ظرف او موقف.
وهذا الانتظار يكون مستعدّا وغير مرتبط بمعناه المادي، بل يتفوق في ذلك ليصل الى فحواه المعنوي الذي يمهد فكرة الانتظار ليكون نهج حياتي يطبق على ارض الواقع.
فإن المجتمع الذي يرى في انتظاره لإمام زمانه تحقيق للتقوى والصفاء الداخلي والعمل المستمر في هداية المجتمع سيبلغ بلا شك غاية الانتظار الحقيقية الذي يريده الإسلام منا.
فكيف تتحول ماهية فكرة الانتظار غير المشروط الى أسلوب حياة؟
-يمكن للإنسان ان يحقق غاية الانتظار من خلال تحقيق التقوى والفضيلة والأخلاق في نفسه وفي نفس المجتمع، وذلك من خلال نشر التعاليم الإسلامية التي جاء بها القرآن والسعي الدائم في زيادة المساحة الجغرافية الإسلامية في العالم والمثابرة في ان يصل التبليغ الى مستواه العالمي ليلتمس الناس الإسلام في نفوسهم فطرة وفكرّا.
-التركيز على التربية، ودعم الدين الفطري بمفاهيم فكرية مقتنعة، والرد على كل التساؤلات والشبهات المطروحة في الساحة.
-يعيش العالم اليوم نوع من الفقر العاطفي الذي فجوته الأساسية هو عدم ارتباط الناس بإمام زمانهم ارتباطا عاطفيا وروحيا، بل حاصروا قضية الانتظار والغيبة على المستوى المادي بكون الامام غائب وليس له وجود عيني لسائر الناس، وغفلوا عن ذلك الارتباط الروحي الذي من الممكن ان يخلق لهم الصفاء الروحي والاشباع النفسي والعاطفي لدرجة ان يلتمسوا عناية الامام ونظرته الحانية على حياتهم العملية.
-الحاجة الى نماذج قيادية محكمة تفعل مفهوم الانتظار بمعناه التطبيقي للجمهور، عن طريق قيادة المجتمع وتفعيل العنصر العلمي المحوري وربطه بقضية الانتظار في تحقق الأهداف التي يسعى من اجلها الإسلام في مرحلة الغيبة.
-يلعب الانتظار دورا اجتماعيا كبيرا في حياتنا اليومية، فلا يمكن ان تقام الحركة المهدوية ما لم يتوفر اهم عنصر في صفوف جمهوره ألا وهو العنصر التربوي والأخلاقي.
فالتربية تعتبر من اهداف الدين الأساسية التي نص بها الإسلام، وكل إنجازات المنتظرون ستصب في هذا الإطار سواء كانت عسكرية سياسية اجتماعية اقتصادية... الخ.
فوجود الشريحة التي تعمل من اجل تقويم العامل الأخلاقي عند الجيل وترسيخ المبادئ التربوية التي يريدها الامام منا سيكون بلا شك تهيئة حقيقية لحكومة المولى (عج).
ـالتعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية وفق المنهج الإسلامي الحنيف، لأن الخروج عن القوانين الإسلامية ما هي ضربة حقيقية لمفهوم الانتظار العملي والذي بدوره سيفعل نمو الفقر وتفشي الظلم والجرائم في المجتمع والذي سيفتح البوابة للخروج من دائرة الحلال الى الحرام،
وسيبطئ من حركة البناء المجتمع الإسلامي المتكامل في العالم.
-تفعيل دور المرأة في المجتمع بهدف مهدوي موحد، وفتح الافاق السياسية والاجتماعية لها، فما جاء بالروايات ٥٠ شخص من أصل ٣١٣ هن نساء، فهل يعقل ان تكون المرأة التي لا تتمتع بروح قيادية ولا خلفية علمية واجتماعية رصينة ان تكون عنصر قيادي فعال في حكومة الامام؟ اذن الومضة المهمة من هذا الكلام هو تثقيف الشريحة النسوية في مفاهيم التربية العصرية ومواكبة التطورات الحاصلة ليتمكنوا من حماية الجيل من ثغرات التطور وسلبياته..
-فتح المراكز العلمية والمختبرات ودور العلم وحتى الجامعات والمدارس وتعزيزها بالثقافة المهدوية، لأن اهل البيت عليهم السلام هم منبع العلم الصافي، وما توصله العالم اليوم من نظريات واكتشافات ما هي إلا تجارب أعيدت بلورتها من مصدرها الأساسي ألا وهو القرآن واهل البيت (عليهم السلام)، فمواكبة العلم والوصول الى الاجتهاد العلمي هو امر مطلوب وضروري جدا، والتخلف عن العلم هو تقصير واضح وغير مبرر ولا يتوافق مع حكومة الامام المهدي (عج).
-إقامة المهرجانات الثقافية التي يقترن محتواها بالنهج المهدوي ولكن بطريقة عصرية تخاطب لغة العصر، وتصل الى فكر الجيل الحالي بطريقة سلسلة ومغرية، تعمق من خلاله المفهوم العقائدي في نفوسهم، فالجيل الحالي هو جيل تائه خصوصا مع تفشي المغريات المحرمة وتعدد الخيارات، فما يحتاجه الجيل هو قيادة حقيقية بلسان حالهم كي تدلهم على طريق الأمان، وتوجههم نحو الخير والسلام.. ليرتبطوا بالإمام ارتباط نفسي عميق ويلتمسوا نتائج هذا الارتباط على حياتهم الشخصية..
وهنالك الكثير والكثير من الاعمال والتوجيهات التي تصب في اهداف الانتظار الحقيقي وتعجل من تأسيس حكومة الامام العالمية، ولكن ما نحتاجه اليوم هو الخروج من دائرة العجز وتحويل الانتظار الى منهج مهدوي قويم يطبق في الجبهات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.
فالانتظار المعنوي المقترن بالبكاء فقط لا يكفي لظهور الامام، نحتاج اليوم الى نية خالصة وحاجة حقيقية ودعاء من صميم القلب مقترن بالعمل الحقيقي الذي يقربنا من تلك الغاية الأساسية التي على أساسها يريد ابن الحسن اظهار الحق في العالم..
اضافةتعليق
التعليقات