لا تتطور المجتمعات دون وجود منظومة من الحقوق والواجبات التي على الجميع أن يلتزم بها من الحاكم إلى المحكوم، وأي خلل في هذين المفهومين ينتج عن ذلك الظلم من جهة والفوضى والتخلّف من جهة أخرى.
وبالتالي فإن المطالبة بالحقوق وإهمال الواجبات معضلة وقع فيها الكثير نتيجة غياب القانون من جانب وضعف الوازع الأخلاقي أو الديني من جانب آخر.
إذن، يجب أن يكون لكل فرد وحكومة أو أي ادارة ومؤسسة مجموعة حقوق وواجبات تحددها بعض المبادئ التي ترسمها الأديان أو الوثائق والقوانين المعتمدة في الأمم المتقدمة.
ويعتبر السكن أحد الحقوق المحورية لكل مواطن يعيش في دولة تحترم أساسيات العيش الكريم، وهي إحدى واجبات الحكومة اتجاه مواطنيها، وأزمة السكن تجعل البعض في أن يذهب إلى قرارات فردية لها افرازات خطيرة مستقبلية.
في القانون العراقي كفل الدستور ضمن المادة 30، الاتي: (.. تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو اليتم أو البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم وينضم ذلك بقانون).
القانون بفقراته جلي للعيان، وعليه من واجب الدولة تطبيقه، وإن أهملت أو تقاعست عنه من حق المواطن المطالبة به _بالطرق المشروعة_، ولكن وجود هذا الحق لا يسيغ الاعتداء والتجاوز ولا التصرف بحرية مطلقة في سبيل الحصول عليه.
أحيانا بوعي محسوب وأحيانا اخرى باتباع العقل الجمعي المدروس الذي تنمقه بعض الشعارات ينساق الكثير إلى خلق أزمات تزيد في المشكلة لا في حلها، فعلى كل فرد أن يعرف حقوقه وواجباته أولا، فهناك الكثير لا يعرفون مالهم وما عليهم، فلا عجب إن رأيتهم يتبنون سلوكا معينا عند المشكلات والأزمات.
على الجميع أن يوازن ويحترم بين هاتين الكفتين، وهذا بحاجة إلى وعي شخصي وواعظ أخلاقي وايضاً قوانين تراعي شعوبها ولا تتبجح بها فقط من دون تطبيق.
هذا في القانون، أما دينياً، وسنورد هذا الجانب لأن الكثير من العراقيين ينتمون للشريعة الاسلامية ويوالون أهل البيت فمن المفترض أن يضع هذا الفرد في عين اعتباره رؤية النبي محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته في هذا الموضوع.
فهناك حديث مشهور للرسول المصطفى يقول فيه: "الأرض لله ولمن عمرها"، هي قاعدة اسلامية سامية عالجت الكثير من المشاكل، ولكن هناك أيضا قاعدة أخرى يذكرها معلّم الأمة تقول: "لا ضرر ولا ضرار في الاسلام".
اذن كيف نعرف وكيف نوازن بين هاتين القاعدتين؟!
في القاعدة الاولى _وهي من المفترض أن تكون النصف الممتلئ من كأس الحقوق_، فهي تقف في صف المواطن المستضعف، ومن واجب الدولة أن تأخذها على عاتقها بعد أن تؤطرها بالطبع بقوانين تناسب العصر وظروفه، ولكن هذا الكأس مرٌّ بسبب العدد السكاني الذي يرتفع باطراد، وازدياد الهجرة من الريف إلى المدن ولاسيما إلى الآمنة منها، والبطالة والفساد ووو... وكل هذا مع ضعف التخطيط والدعم الاقتصادي مما خلق الأزمات الحالية.
وفي القاعدة الثانية؛ على المواطن أن يلتزم بها فلا يتجاوز مافرض القانون _وإن كان وضعياً_، وذلك في سبيل تحقيق الامن والامان والاستقرار والتطور لمدينته ووطنه.
وبين هذا وذاك، على الجميع أن يعرف كما قلنا حقوقه وواجباته، في القانون ليس كل شيء بمتناول اليد فليس من السهولة تغييره، سواء رضينا ببعض بنوده أو لا فهناك دائرة واسعة متعددة الاطراف تتدخل فيها عدة عوامل.
أما القضية الفردية، فعلينا هنا أن نطلع على تفاصيلها، وأين نجد مثل رسالة الحقوق للامام السجاد عليه السلام، وفيها كنوز أخلاقية وإرث تربوي وحضاري وحقوق تضاهي انسانيتها تلك التي تنادي بها المنظلمات الدولية.
أفرد الامام 51 حق، من حق الله وحقوق الاعضاء والافعال الى الرعية والرحم والناس، ومنها حق السلطان وحقوق الرعية، وحق سائسك بالملك، وهي كما تعرف في وقتنا الراهن بحقوق المواطنة، فهناك ضوابط بينها الامام ومنها:
حق السلطان: فأما حق سائسك بالسلطان فأن تعلم أنك جُعلت له فتنة وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان، وأن تُخلص له في النصيحة وأن لا تماحكه _(أي تنازعه وتخاصمه)_ وقد بُسطت يده عليك فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه....
حق الرعية: فأما حقوق رعيتك بالسلطان فأن تعلم أنك انما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم فإنه انما أحلّهم محل الرعية لك ضعفهم وذلهم، فما اولى من كفاكه ضعفه وذله حتى صيّره لك رعيةً وصيّر حكمك عليه نافذا....
إن أسقطنا كلام الامام على واقعنا، نجد أنَّ كل من السلطان والرعية في تقصير وتجاوز، وفي حق السكن من واجب الدولة توفيره للمواطن (المُستحق) وهنا نركز على كلمة مستحق، ومن واجب المواطن أيضا أن يحترم القانون ولا يتجاوز الضوابط الموضوعة له.
قضية السكن قضية محورية في حياة الأسرة واستقرارها، بل في حياة الانسان بشكل خاص، وهي أزمة تتمخض عنها أزمات ومنها الطلاق والجرائم وغيرها، لن يحدّها وأخواتها سوى وجود قانون عادل يُنصف الجميع، ورسالة الحقوق للامام زين العابدين ترسم الكثير من الخطوط الحمراء التي يتشعّب عنها اخرى، وذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
اضافةتعليق
التعليقات