• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

في ذكرى جدتي التاسعة عشرة

مريم حميد الياسري / الأثنين 05 آيار 2025 / منوعات / 593
شارك الموضوع :

عادت والدتي من المشفى، ولم تسمح الجدة لأيٍّ منا برؤية أخينا أيامًا، حتى سمحت لنا بمشاهدته من بعيد

قبل واحدٍ وعشرين عامًا، كنا ننتظر على قلقٍ خبرًا من أمي، التي ذهبت إلى المشفى برفقة خالاتي لتضع أخي الأصغر مهدي. ولم يمض وقتٌ طويل حتى سمعت صوت الزغاريد من مطبخ بيت جدي لأمي. كنا نشاركهم البيت ذاته.

كانت المرة الأولى التي أسمع وأرى فيها جدتي تهزج، مستحضرةً كل قوتها الجنوبية، وكل تراثها. ولم أحفظ من أهازيجها آنذاك سوى:

"أفرح يا أحميد جاك اللي بيه الهيبة"

وكان المقصود بـ"أحميد" هو أبي، السيد حميد، الذي لبّى نداء خالته وسافر على جناح السرعة من البصرة إلى بغداد ليشاركها أهازيجها ويذبح عقيقة للمولود الجديد.

عادت والدتي من المشفى، ولم تسمح الجدة لأيٍّ منا برؤية أخينا أيامًا، حتى سمحت لنا بمشاهدته من بعيد دون أن نلمسه. كنتُ أحدث نفسي بقرص خدوده الحمراء الطافحة، أو على الأقل أتأمل عينيه البنيتين.

قالت أمي لتجبر بخاطري:

"مريم، أول ما اجت للدنيا، قمر مثله، وأهدابها كانت واصلة لخدها."

لكن الجدة بادرتها:

"تروح له ستين فدوة."

لم يكف دعاء الجدة لمهدي وتحصينها إياه، والدعاء على كل من يقترب منه، حتى لو كانت ابنتها (أمي).

لم تسمح أن يخرج من المنزل إلا بعد ستة أشهر، تحت عباءتها، لتزوره الإمام الكاظم (عليه السلام)، رغم ثقل الطفل الممتلئ على يديها، وكانت قد دخلت في السبعين من عمرها.

لم تقبل أن يحمله غيرها. خرجت به خائفة، وعادت خائفة من أن تصيبه العين. تنشر أدعيتها وتحصنه بكل ما تحفظ وتعرف من آيات القرآن. أحبّته كما لو أنها لم تُنجب ثماني بنات وخمسة أولاد، ولم تربِّ العشرات من الأحفاد.

بدأ الطفل يأكل، فصامت هي فرحًا، وكأنها رأت الملائكة تأكل من مائدتها، وادّخرت كل أكلة تفرحه. بدأ يمشي، فبدأت هي تحيطه بيديها، ودموعها، وأهازيجها. تستيقظ ليلًا لتتفقده، ويستيقظ هو كما لو فقد الأُنس بصدر أمه، قائلًا:

"بيبي بخ"

مشيرًا إلى صوت تنفّسها وهي نائمة، طالبًا من أمي أن تأخذه إلى حضن الجدة.

تمتنع والدتي، فيبكي، فتصب الجدة جام غضبها على أمي:

"نومة من الجنة من ينام مهدي على يدي!"

"يمه، الطفل ثقيل على يدك!"

إن شاء الله تنشل إيدج، مالج غرض.

أحبّته بشكل لا يقبل جدالًا، ولا اعتراضًا، ولا حتى من أمي.

يومًا ما، سُكب ماء دافئ على أطراف غرّته فطفح جلده، فانهارت الجدة وقالت لأمي:

"حباية بيدج، حباية بقلبج، شلون تسهين عن الولد؟"

خافت أمي من تعلق الجدة بمهدي، لأنها بدورها متعلقة بجدتي.

وكانت تظن أنها ستُعمّر مئة سنة، وتربّي أولادنا، وكانت تقول:

"سأموت مطمئنة لأن أمي ستربيكم."

في نهاية شهر 11 من عام 2003، مرض مهدي بإنفلونزا غريبة لم نعرف إن كانت وبائية، ولم تفلح معها الأدوية.

لكن الجدة حسمت أمرها مع الحياة:

"لا حياة في حياة يمرض فيها مهدي."

أطلت من باب غرفة الضيوف بوجهها القمري، وثوبها القديفة البني المورّد، وجاكيتها الصوف، رافعةً يديها بتهديد:

"لا تظنين أعيش إذا صار بمهدي شيء."

بعد أيام، تعافى مهدي، ومرضت الجدة.

دخلت المشفى. الخبر جعل والدتي ترتدي جبتها الكحلية كالمجانين، وتحمل مهدي وتركض إلى المشفى. طافت حول سرير أمها بمهدي، وهي تقول لها:

"يمه، أنا أفتديك بروحي، أفتديك بمهدي."

لكن هذه المرة، الجدة لم تقوَ على الكلام لتقول لأمي "حباية بيدج بقلبج"،

قالت فقط:

"أنتِ وأهلج ترحين فدوة لمهدي. أنا عجوز، شلي بهالدنيا؟"

أشارت بيدها لأمي أن: "اسكتي."

فزاد انهيار أمي:

"يمه، أنا بعدني قوية، وأجيب خمسة، عشرة مثل مهدي، بس أنتِ منين أجيب مثلج، يمه؟ قومي!"

اضطرت خالتي لإخراج والدتي من غرفة الجدة رأفةً بالجميع، ومنعتها من زيارتها لأيام، حتى لا يتكرر ذات الموقف.

بعدها، سمعت والدتي بخبر تعرّض أمها لما يُسمى بـ"صحوة الموت"، لكنها فسّرتها على أنها "صحوة حياة"، وأن الله استجاب لافتدائها الجدة بمهدي.

طلبت الجدة ما تشتهيه من العصير. إلا أن أمي أعدّت لوالدتها حلاوة جزر، كانت تفكر بأخذ الطبق وتناوله بمعيّتها.

كانت تهتف:

"أمي عادت، أمي تشتهي الأكل!"

إلا أن الجدة أُخرجت من المشفى قبل أن تذهب لها أمي.

فقد دخلت بمرحلة سكرات الموت، وأذِن الطبيب بإخراجها لتقضي الدقائق الأخيرة من حياتها بين أولادها وأحفادها.

قبّلها مهدي، واستدار لأمي قائلًا:

"بيبي بخ."

نامت بيبي نومتها الأبدية، ولم تنم روحها عن مهدي.

في كل مرة يدخل بغيبوبة سكر، أو يخضع لعملية، تزور الجدة أمي في المنام وتعصب رأس مهدي. في آخر مرة، سهرت والدتي مع الفتى المريض، وهمدت عيناها بنوم، فرأت الجدة تعاتبها:

"نامي، فلا أستطيع زيارتكم إلا في المنام."

ركضت أمي كالأطفال وراء أمها:

"يمه، أخذيني وياج!"

فدفعتها وقالت:

"ومهدي، من له؟"

وقاطعتها أمي، فلم تزر مناماتها بعدها.

قصة
الأم
العاطفة
الحب
الأسرة
الطفل
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    أبا الفضل.. بقية الدمع في مآقينا

    القيم والمآثر الأخلاقية في حياة الإمام الحسين

    أنصار الحسين يوم عاشوراء: قصة التضحية والوفاء الأبدي

    ارتفاع هائل في استهلاك الطاقة بسبب الذكاء الاصطناعي

    بناء التنوع.. شعار اليوم العالمي لهندسة العمارة

    جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية تنظم فعاليات نادي ريحانة الصيفي للفتيات

    آخر القراءات

    ماهو قصور الدرقية الدراقي؟

    النشر : السبت 03 كانون الأول 2022
    اخر قراءة : منذ 3 ثواني

    ما هو برنامج تيتش؟

    النشر : السبت 09 كانون الأول 2023
    اخر قراءة : منذ 3 ثواني

    يصيب الجهاز العصبي المركزي.. ما هو مرض التصلب المتعدد؟

    النشر : الثلاثاء 20 آب 2019
    اخر قراءة : منذ 4 ثواني

    نجوم الولاية

    النشر : الأربعاء 16 كانون الأول 2020
    اخر قراءة : منذ 6 ثواني

    شيخ الخطاطين: يوسف ذنون

    النشر : الثلاثاء 07 تموز 2020
    اخر قراءة : منذ 7 ثواني

    ماهي استراتيجية العصف الذهني؟

    النشر : الخميس 21 تشرين الاول 2021
    اخر قراءة : منذ 9 ثواني

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    مأساة مسلم بن عقيل: الغريب الوحيد في كربلاء ودروسٌ للشباب

    • 1205 مشاهدات

    الترند الجديد "لابوبو": صدفة؟ أم واحدة من أنجح حملات التسويق في 2025؟

    • 439 مشاهدات

    بعد تراجع وفيات النوبات القلبية.. ما الذي يُهدد حياتنا الآن؟

    • 432 مشاهدات

    ابتسم… أنت تمضي بلا هوية

    • 406 مشاهدات

    محرّم في زمن التحول

    • 378 مشاهدات

    تحدّي عاشوراء: أربعون يوماً لتكون حسينيّاً في زمن الضياع

    • 375 مشاهدات

    الترند الجديد "لابوبو".. صدفة أم واحدة من أنجح حملات التسويق في 2025؟

    • 1554 مشاهدات

    القليل خير من الحرمان

    • 1316 مشاهدات

    مأساة مسلم بن عقيل: الغريب الوحيد في كربلاء ودروسٌ للشباب

    • 1205 مشاهدات

    وميض من التاريخ: تتويج إلهي بالولاية

    • 1171 مشاهدات

    الخلود في زمن التفاهة: كيف ينتصر علم الإمام علي على مادية العصر

    • 1107 مشاهدات

    الإمام محمد الباقر: منارة العلم التي أطفأها الظلم

    • 934 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    أبا الفضل.. بقية الدمع في مآقينا
    • منذ 17 ساعة
    القيم والمآثر الأخلاقية في حياة الإمام الحسين
    • منذ 17 ساعة
    أنصار الحسين يوم عاشوراء: قصة التضحية والوفاء الأبدي
    • منذ 17 ساعة
    ارتفاع هائل في استهلاك الطاقة بسبب الذكاء الاصطناعي
    • منذ 18 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة