عشت وأنا صغيرة فترة من الزمن مع جدتي رحمها الله.. تلك العجوز التي لم تنل نصيباً ولو يسيرا من التعليم، ولكنها كانت حنونة، وعطوفة، وبسيطة وحكيمة.
تلك الصفة الأخيرة لم أدرك أنها تجسدت في شخصية جدتي رحمها الله تعالى إلا عندما كبرت. فقد كنت دائماً اربط الحكمة بالتعليم واكتشفت مؤخراً أن ذلك خطأً فادحا.
كانت لجدتي تصرفات كثيرة لم أكن أفهمها في وقتها ولربما كانت تزعجني ولكن من باب الأدب معها، لا أظهر انزعاجي منها، وأتقبل تصرفاتها عَلـٰـى مضض، لأنها إمرأة كبيرة لابد أن نتقبل كل تصرفاتها ونتحملها. الظريف أن جدتي كانت تعلم ذلك وكانت تتبسم كأنها تقول لي سوف تعرفين أهمية ما أفعل عندما تكبرين، وسترين أثره على حياتك مستقبلاً.
من التصرفات التي كانت تغيظني وتزعجني من جدتي رحمها الله تعالى، إنها عند دخول شهر رمضان المبارك كانت تدير التلفاز ليواجه الحائط! وكانت تبقيه هكذا طوال الشهر الفضيل!.
كنت أتساءل دائماً لماذا جدتي تحرمنا أَنـا وأخوتي من متعة مشاهدة المسلسلات والفوازير؟! التي كان يشاهدها كل أقراننا ويتحدثون عن أحداثها وكل تفاصيلها ويتناقشون فيها، ونحن نستمع لهم كالبلهاء لا نعرف عما يتحدث الآخرون كنا -كما يقولون- (مثل الأطرش بالزفة).
وأذكر أن صديقاتي كانوا يبدين استهزاءهن بي، لماذا لا أتابع المسلسلات والفوازير الجميلة؟ وكان يضايقني كثيرا هذا الأمر.
فكنا نعترض علـى جدتي لحرماننا من حق مشاهدة الفوازير. كانت ترد علينا (احترموا شهر رمضان، هذا شهر الله مو شهر التلفزيون). لم أكن أفهم منطق جدتي الذي كنت اعتبره تشدداً بالدين أو نوعاً من الرجعية والدقة القديمة.
ولكن الآن وبعد ان مرت السنوات وكبر بنا العمر وعلمتنا الحياة، عرفت منطق جدتي الذي كنت اعتبره جهلاً، (احترموا شهر رمضان).
فهل من الاحترام أن أقضي ساعات شهر رمضان المعدودة في متابعة المسلسلات الحافلة بكل ما حرم الله تعالى من ممارسات لا أخلاقية لا يقبلها لا دين ولا عقل ولا حتى عرف؟
هل من الاحترام أن أقضي تلك السويعات المعدودة في عالم السوشل ميديا في متابعة التوافه من الأمور بدلاً من أستشمر تلك النعمة والتقنية في خدمة الدين والمذهب؟
هل من الاحترام أن لا أقضي تلك الساعات في بذل قصارى جهدي في عبادة الله تعالى واستثمر فِي هذه اللحظات والدقائق للتوجه لله تعالى؟.
يقول رسولنا الأعظم صلوات الله تعالى عليه "نْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَعَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ، وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ، وَتِلاوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ."
هل سنتحلى بقليل من الاحترام -لا أقـول نقلب التلفاز لان لله الحمد نحن في زمن الانفتاح الإعلامي لمذهب أهل البيت عليهم السلام- ولكن على أقل تقدير، نحذف القنوات التي لا ترضي الله تعالى.
رحمك الله يا جدتي..
اضافةتعليق
التعليقات