الأم هي انعكاس الرحمة الالهية في هذه الدنيا، هي ذلك الوجود الذي يبحث الانسان عن رضاه لانه الوسيلة الى رضا الخالق جل وعلا، وهذا حال الانسان المؤمن فكيف بالمعصوم؟
لذلك ينقل بعض الخطباء ان الطريق الى قلب الامام المعصوم التوسل بأمه الطاهرة، فكيف يردك الامام وانت تتوسل بأمه؟
من هذا المنطلق، ومع ذكرى ميلاد منقذ البشرية صاحب الزمان مولانا المهدي عجل الله تعالى فرجه، ننتهل القليل من نبع امه الطاهرة (مولاتنا نرجس عليه السلام).
شاءت الحكمة الالهية ان اختيرت السيدة نرجس عليها السلام (حفيدة قيصر الروم) لتكون والدة خاتم الاوصياء والحبل المتصل بين الأرض والسماء، فهل يمكن ان يكون ذلك الانتخاب من دون علم شامل بأنها الافضل والاكفأ لذلك المجد العظيم والشرف الكبير؟
وإن كانت الجينات الوراثية بما تحمله من خصائص تترك بصماتها على الوليد مدى الحياة، وإن كانت للحالات الجسمية والروحية للأم تؤثر سلباً وايجاباً على الطفل، فمن الطبيعي ان يختار الله تعالى لوليه الاعظم وعاءا طاهرا مطهرا من جميع الجهات، فكانت سلام الله عليها هي النموذج الرباني لتلك الأم المثالية.
وكما نقرأ في زيارتها سلام الله عليها (السلام على والدة الإمام، والمودعة أسرار الملك العلام)
و(المستودعة أسرار رب العالمين) فهنا تكمن الثقة الألهية وتجسدت بها مكارم لو قيست بها السماوات والارض لوسعتها وزادت عليها، انها سلام الله عليها امينة الرب، فهي المستودعة للأسرار وليس سرا واحدا.
نكتشف عمق دلالة هذه الجملة عندما نرى ذات العبارة المستخدمة في التعريف بالسيدة نرجس قد استخدمت في التعريف بولدها الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه إذ نقرأ في الزيارة الثانية الواردة بعد زيارة آل ياسين: (السلام عليك يا حافظ اسرار رب العالمين).
هكذا أحاطت العناية الربانية بالسيدة الطاهرة عليها السلام فكانت هي العذراء الوحيدة من بين كل نساء الأرض التي يشارك في خطبتها ومحفل عقدها نبيا اعظم ديانتين سماويتين (نبي الاسلام محمد صلى الله عليه وآله ونبي الديانة المسيحية عيسى ابن مريم عليه السلام)، وهذا ماجرى في الرؤيا الصادقة التي رأتها وهي في قصر جدها.
فهي تلك بنت الثلاث عشر عام، الحفيدة المُدللة لقيصر الروم، بنت العز والترف.. قررت بأمر إلهي جاء عبر رؤيا صادقة اخبرها فيها الإمام العسكري عليه السلام بأن عليها الالتحاق بالجيش الذي سيسيره جدها لقتال المسلمين، عليها ان تتنكر بزي الخدم وتذهب معهم.
الهجرة! وما اصعب فراق الوطن، ما اقسى الغربة ومفارقة الاهل والاحبة، ما اشقى السفر في ذلك الزمن تحت اشعة الشمس الساطعة، سيرا على الاقدام او على ظهر الابل او البغال، امام مخاطر لا بد من مواجهتها: جوع، عطش، قطاع طرق، ضياع، وووو..
إذا كان السفر بهذه الصعوبة على الرجال فكيف سيكون الحال بالنسبة الى المرأة؟ وهي الريحانة بما تحمل من عواطف وتركيبة جسمية وعصبية وروحية مختلفة؟
هكذا انقادت وامتثلت مولاتنا نرجس عليها السلام لأمر الامام بكل حب واحترام.
خلفت وراءها القصور والحرير والعطور، خلفت كل الدنيا واختارت الخلود الاخروي.
-يا ترى هل سنترك الدنيا نحن من اجل وصال إمام زماننا وطلب رضاه؟
فهنا دخلت السيدة الطاهرة امتحانها المصيري مُنذ ان حلت في بيت الإمامة زوجة لولي الله وام لاخر الاوصياء، فكانت تعاني الحصار السياسي الذي كان مفروض على بيت الإمامة، تعيش الخوف والقلق على زوجها وولدها، كانت في مقدمة المُعرضين للخطر فقد كانت الانظار تُشير اليها في انها ام اخر الحجج.. كانت تعاني وتبالغ في حفظ ولي الله حيث روي في زيارتها عليها السلام: (واشهد انك احسنت الكفالة، وأديت الأمانة)، (بالغت في حفظ حجة الله)، (وصبرت على الأذى في ذات الله).
واجهت سلام الله عليها تلك المخاطر بأسلحة فريدة استراتيجية:
سلاح المعرفة: المعرفة بحقوق ومكانة آل الرسول عليهم السلام.
سلاح الايمان الراسخ: والدليل ما ورد في زيارتها (مؤمنة بصدقهم).
سلاح الايثار: فقد كانت مشفقة على آل البيت مؤثرة هواهم.
كل هذه التضحيات موجبة للعطاء الالهي اللامحدود، ويكفيها سلام الله عليها انها ام لمن سيملأ الارض عدلاً وقسطا، إلا ان الله تعالى عوضها بعطاء اخر وهو الشفاعة.
الشفاعة: فضل رباني، ومظهر من مظاهر رحمة الله الواسعة.
فسلام على ام الطالب بدم المقتول بكربلاء.
في الختام ندعوا بما ورد في زيارتها: ولا تحرمني شفاعتها وشفاعة ولدها...
وادخلني في شفاعة ولدها وشفاعتها.
*بعض الفقرات مقتبسة بتصرف من كتاب السيدة نرجس مدرسة الاجيال.
اضافةتعليق
التعليقات