قال الله في محكم كتابه الكريم: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (الماعون:5.
إنّ المتأمّل في معنى حرف الجرّ (عن) في الآية الكريمة، يجد عظمة الخالق ورحمته، فهو يشير في قوله تعالى إلى الذين تركوا صلاتهم وغفلوا عنها، بل تغافلوا، ولم يقل سبحانه: (الذين هم في صلاتهم ساهون)، فالسهو في الصلاة أمر يقع فيه الكثير منّا، بل قد يتكرّر، والله الرحيم الغفور رحمةً ورأفةً بهذه الروح البشرية جعل للسهو سجودًا؛ ليخفّف من تقصير المسلم، ويزيد حسناته، فهو أرحم من الإنسان بنفسه، فالمرء قد لا يرحم نفسه، بل يقسو عليها، فكيف بالآخرين؟!
فقد ورد في دعاء مكارم الأخلاق المرويّ عن الإمام السجّاد (عليه السلام): "اللهمّ صلّ على محمّد وآله، وحلّني بحلية الصالحين، وألبسني زينة المتّقين في بسط العدل، وكظم الغيظ، وإطفاء النائرة، وضمّ أهل الفرقة، وإصلاح ذات البين، وإفشاء العارفة، وستر العائبة، ولين العريكة، وخفض الجناح..."(1).
فقد امتاز المعصومون (عليهم السلام) بالحلم والعفو والتسامح مع الآخرين، وذات يوم كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) خارجًا من المسجد، فالتقى به رجل من معارضيه وقابل الإمام (عليه السلام) بالسبّ والشتم، فثار في وجهه بعض موالي الإمام وأصحابه، فنهرهم الإمام (عليه السلام) وأقبل على الرجل بلطف قائلًا: "ما سُتر عليكَ من أمرنا أكثر... ألكَ حاجة نعينكَ عليها؟..."، فاستحى الرجل وودّ لو أنّ الأرض تبتلعه، وبان عليه الانكسار والندم، وبادر نحوه الإمام (عليه السلام) فألقى عليه خميصة، وأمر له بألف درهم، وطفق الرجل يقول: أشهد أنّكَ من بني الرسل(2)، فهذه شيمة أهل البيت (عليهم السلام)، لقد عفا عنه الإمام (عليه السلام) وأحسن إليه.
إنّ الرحمة صفة عظيمة، ونعمة يهبها الله بعض القلوب، ولا يجد العباد أحدًا أرحم عليهم من خالقهم.
.................................
اضافةتعليق
التعليقات