خرج يجرجر أثوابه الغبره الفضفاضة التي غطتها عباءته الرمادية المنسدلة من أعلى كتفه و المنسابة حتى قدميه .
كانت شمس الظهيرة ترفض الرضوخ لتوسلات الأفق، فما فتئت تتقد صهباء محرقة رغم دنوها من جنبات الأصيل .
مضت الحيرة تأخذ نصف ما أخذه السرور الواهي المغرد في أعماقه حيث اكتشف معضلة سيوقع فيها (أبا الحسن) عليه السلام و ينفضح زيف علمه الذي يدعيه مكتسباً من الرسول (ص).
كان الوصي جالساً هادئاً، مليح الوجه، وسيماً، جسيماً، ادعج العينين حاد النظرة، طلق المحيا، يتلألأ بأنوار المودة المحفوفة بالدفء و الحنان الابوي.
توجه نحوه ابن الكوا و هو يهز هز بكفيه مستغرباً قد قطب جبينه فقال:
يا أمير المؤمنين! إن أبا المعتمر تكلم بكلام كصفير الجن لا يحتمله قلب بشر.
فقال (ع):
و ما ذاك؟!
انبرى متسائلاً و قد ظللت كلماته شمسية استغراب:
زعم أنك حدثته عن رسول الله (ص) عن رجل أكبر سناً من ابيه!
شقت ابتسامة لطيفة مبسمه المبارك و راحت تغرد كاصطفاق الأوراق في الربيع فاستأنف:
أو هذا الذي كبر عليك؟
أجال بنظرة في تقاسيم وجه الإمام عليه السلام عله يستكشف ما خلف الكواليس ثم أردف:
- نعم فهل تؤمن أنت بهذا و تعرفه؟!
سرت في محياه الملكوتي حركة هادئة كفيلة لتأخذ العاشق في رحلة إلى آفاق الحبيب الرحبة و أحضانه الوديعة ليغدو ثملا هائماً في فضائه الواسع .
مال بنظرة رقيقة كأنها تسامر طفلاً ساهراً أو تلامس غصناً غضاً و قال:
نعم! هذا صحيح
عندما خرج عزير من أهله مسافراً؛ كانت امرأته حاملاً في شهرها و له يومئذ خمسون سنة، كان ما كان لما ابتلاه الله عز و جل و أماته مائة عام ثم بعثه .
لما رجع إلى أهله و هو ابن خمسين سنة، استقبله ابنه و قد أصبح عمره آنذاك مائة عام لذا كان أكبر من ابيه بخمسين سنة .
في عمر آه إنهار جدار الإبهام متطايراً
أمام ضربة ساحقة لم يكن مستعداً لها .
رجع الرجل القهقرى بخطى وئيدة، ململماً آثار النكسة التي لربما لو تمعن في أعماقها لاكتشف الإعجاز النبوي الخالد، الكامن في وصيه من بعده.
اضافةتعليق
التعليقات