في عالم التكنولوجيا والتربية الحديثة وتعدد الأساليب والألعاب الفكرية وكَم هائل من النتائج التي تظهر لك ما إن تعمقت في الدراسة عن هذا الموضوع، بل أن سهولة الأمر وصلت لأن تسأل (جات جي بي تي) ليجيبك عما هو ممنوع وما هو مباح وما يوصى بتكراره، كما يقدم لك خطة نفسية سلسة للتعامل مع الطفل، كل ذلك ونلاحظ لازال المجتمع يمارس عادات خاطئة بالتربية مجرد أنها موروثة أو حتى لأنها سهلة وتخلص الأم من نشاط الطفل وحركته في المنزل، والنتيجة بعد عدة أعوام تبحث عن طبيب للنطق وطبيب ليعالج التوحد وتغبط الآخرين على سلامة أبنائهم!
لعل من يريد أن يعرف أن التربية مسؤولية أمام الله (عزّ وجل) أولا وأنه معاقب عليها يكفي أن يقف على رسالة الحقوق حيث يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): "وَأمَّا حَقُّ وَلَدِكَ فَتَعْلَمَ أنَّهُ مِنْكَ وَمُضَافٌ إلَيكَ فِي عَاجِلِ الدُنْيَـــــــــا بخَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَأَنَّكَ مَسْئولٌ عَمَّــــــا ولِّيتَهُ مِنْ حُسْنِ الأَدَب وَالدّلالَةِ عَلَى رَبـــــــــهِ وَالْمَعُونةِ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ فِيكَ وَفِي نفْسِهِ، فَمُثابٌ عَلَى ذلِكَ وَمُعَاقَبٌ، فَـــــــــاعْمَلْ فِي أَمْرِهِ عَمَلَ الْمُتَزَيِّنِ بحُسْنِ أَثرِهِ عَلَيْهِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، الْمُعْذِرِ إلَى رَبهِ فِيمَـــــــا بَيْنَكَ وبَيْنَهُ بحُسْنِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ وَالأَخذُ لَهُ مِنْهُ، وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ".
ففكرة أن للطفل حقوق عليك وحدها قادرة على أن توقفك لتفكر ألف مرة قبل أن تفكر أن توجد للحياة روح، وما بعد ولادته هل تستطيع أن تحارب الأفكار الدخيلة والسامة وأن تفرغ له طاقتك ووقتك وجهدك، أما (فَمُثابٌ عَلَى ذلِكَ وَمُعَاقَبٌ) فهذه الجملة كفيلة على أن تعرف حقوق طفلك ولمن تُسلم سمعه وبصره، وتكن على حذر من أن يُساق حول تيارات الفكر المشبوه والملوث بمجموعة من الانحرافات الأخلاقية والتي ظهورها يتأخر كثيرا وتبرز ذروتها حين يكون الوقت قد فات، حينها لا ينفع الندم ولا الأسف، فالأرواح التي لم تُروَ من حنان التربية، ولم تُربّ على طهر المبادئ، تصبح نهبًا لأي فكرة عابرة، وأي محتوى مرئي، وأي كلمة تُلقى على عجل.
لقد أصبحت وسائل التربية السليمة بين يديك، وسبل الوصول للطفل باتت سهلة، لكنها لا تُغني عن قلبٍ حيّ وشعورٍ بالمسؤولية، فليس كل من أنجب صار والدًا، وليس كل من ربّى صار مربيًا، التربية مسؤولية عظيمة، ورسالة لا تقبل التهاون، تبدأ من لحظة الولادة ولا تنتهي أبدًا، بل تستمر ما دامت العلاقة قائمة بينك وبين هذا الكائن الذي وثّقك الله عليه.
إن رسالة الحقوق هذه، ليست نصًا أخلاقيًا فقط، بل منهج حياة، حين تتأملها تجد أنها تحمل في طياتها أدق تفاصيل العلاقة بينك وبين ولدك، بينك وبين ربك، بل وتضعك وجهًا لوجه مع الحقيقة: هل كنت على قدر الأمانة؟.
علينا أن نعيد النظر في أساليبنا، أن نترك العصا، والصراخ، والتهديد، والتساهل في فتح الأبواب الرقمية بلا رقابة، وأن لا نتعامل مع أولادنا ككائنات مزعجة علينا فقط تهدئتها بأي وسيلة، التربية ليست كتمان الصوت، بل إنضاج العقل، وتوجيه الوجدان.
كل طفل يولد وفي قلبه بذرة نور، فإما أن ترويها بالحب، والتوجيه، والصبر، فتُزهِر فيك وفيه، أو تُهمِلها فتموت في عتمة الإهمال. وكل أمّ وأب، مسؤولون أمام الله أولًا، ثم أمام هذا الجيل الذي سيحاسبنا على ما قَدَّمنا، أو ما ضيَّعنا.
اضافةتعليق
التعليقات