قال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) سورة النحل: 97.
ما هي مكانة الشباب في الشريعة الإسلامية؟ وهل اهتم الإسلام بالشباب؟ وهل هناك مكان للشباب في فكر أهل البيت (عليهم السلام)؟.
إن أمثال هذه الأسئلة تزدحم في أذهان بعض الشباب وهي جميعاً ذات محور واحد، الشباب ومكانتهم ودورهم في هذه الحياة. وقد يتصور البعض من الناس أن الإسلام لم يعط للشباب تلك الأهمية التي توليها لهم الدول الأوروبية والغربية، بل إنه قد ضيق الخناق على أكثر المظاهر الاجتماعية في بلداننا الشرقية فكيف الحال بالشباب؟ وما إلى غير ذلك من الخواطر والشائعات غير الصحيحة التي يشيعها أعداء الإسلام على الإسلام ورجالاته.
فمرحلة الشباب هي غاية في الأهمية وعلى المربي سواء أكان أباً، أو أماً، أو معلماً، أو أستاذاً أو... أن يدركوا أهمية مسؤوليتهم وقد ورد (أن الأبوة أبوتان، بالوضع والنسب، وبالطبع والعلم والأدب) (1) وما علينا إلا التوقي في التلقي ولا نأخذ إلا من المتقي ونحن كنا ومازلنا نتلقى من علمائنا ومراجعنا الكرام، أخلاق النبوة وسيماء الرسالة المحمدية العطرة ومبادئ الإسلام الأصيلة.
ومن هؤلاء العلماء العظام سماحة المرجع الديني الأعلى الراحل الإمام الشيرازي (قدس سره) حيث أعطى ويعطي دوماً لهذه الأمة فقهاً وعلماً وأدباً وأخلاقاً وتربية.. فهو يهتم بالجميع من الطفل الصغير إلى الشيخ الكبير وكتب لكل هذه الفئات، بما يصلحها ويرشدها إلى سواء السبيل ولخير الدنيا والآخرة. واليوم نستمد من عطر أخلاقه هذه الباقة الموجهة إلى الشباب ليكونوا أكثر فاعلية وحيوية ونشاطاً باتجاه الخير والصلاح والفضيلة، والوقاية من المفاسد والرذيلة، فهو يستشعر الخطر ويتحسس مواطن العطب في جسم المجتمع الإسلامي والبشري كله، ليصف له الدواء الناجع وربما الدواء الواقي قبل المرض، وذلك بعلمه الغزير، وبفرضياته المشهورة والمتنوعة، فقد أعطى لجيل الشباب قواعد راسخة للحياة انطلاقاً من أهمية موضوع الشباب وحساسيته لأن الشباب فرصة وفوت الفرصة غصة.
الشباب ذخائر الأمة
فالإسلام ينظر إلى الشباب على أنهم ذخائر الأمة، وخط الطاقة المتنامية فيها، بناة الحضارة، ورواد الفتح الإسلامي، وقد اهتم الإسلام بدور الشباب كثيراً، ويعود السبب إلى أمرين.
أولاً: يمتاز الشباب بفطرة سليمة نقية لم تتلوث بعد بالذنوب، وباقي الانحرافات الأخرى، مما يساعد على تنظيم وتعميق علاقتهم مع الله عز وجل، وبالتالي سوف يكونون عناصر مخلصة وفعالة في الأمة.
ثانياً: إن مرحلة الشباب، مرحلة جديدة من الحياة بالنسبة لهم، وهي بداية تنامي الآمال والأهداف، يرافقها حماس وفعاليات ونشاطات ذهنية وجسدية، كبيرة، لا يمكن الاستهانة بها، فهنا يأتي دور الإسلام لينظم الفعاليات والنشاطات ويجعلها تصب في خدمة الأهداف، ومن ثم يقرر الإسلام الأهداف النافعة ويفصلها عن غيرها، وهكذا يأخذ بيد الشاب إلى طريق نجاحه في الدنيا والآخرة. ولقد شهد التاريخ الإسلامي مشاهد كثيرة تدل على اهتمام رجال الإسلام بالشباب، من قبل الرسول (ص) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وباقي الصحابة المنتجبين. فلقد ورد في الروايات انه جاء وفد من المدينة إلى الرسول (ص) قبل الهجرة اليها، وطلبوا أن يرسل معهم من يعلمهم قراءة القرآن وأحكام الإسلام فاختار الرسول (ص) مصعب بن عمير، وهو شاب يافع قد تعلم الكثير من آيات القرآن الكريم وأحكامه، فاستطاع مصعب أن يتوغل بالإسلام في قلب قبيلتي الأوس والخزرج، حتى شاع الإسلام في المدينة وكثر، ومن هنا انطلقت رايات الإسلام ومفاهيمه الوضاءة لتخفق على أرجاء المعمورة.
وكان للشباب دور فعال في تلك الأحداث، وغيرها من الشواهد التاريخية التي تؤكد على الاهتمام بالشباب، وهذا الأمر ليس محصوراً بالذكور بل إن الفقه الإسلامي لم يحرم كلا الجنسين (الذكر والأنثى) من العمل وطلب العلم، والسعي لقضاء الحاجات الأخرى، أو ممارسة بعض الهوايات، ولكن العنوان العام هو أن لا تؤدي هذه الأمور إلى الفساد والانحلال الخلقي، وانعدام الحواجز الروحية والتمرد على أحكام الله عز وجل والاستهزاء بالشريعة المقدسة، فالإسلام يؤكد على الفطرة والقلب والذهن وسلامة كل منهما، حفاظاً على مسيرة الإنسان التكاملية.
سلوكنا وسلوكهم
لا يخفى أن سلوك الشباب يختلف عن سلوك الكبار، فلابد أن ننظر إلى الأمر من زاويتين:
الأولى: كيف نتعامل معهم؟ وأي طريق نسلك للدخول في عالمهم؟
الثانية: أن نلاحظ سلوك الشباب فيما بينهم، ثم نقوم بسد الثغرات عندهم على الصعيد الفكري والعملي والسلوكي وغيره، وتصحيح ما هو خطأ في حياتهم.
أما بالنسبة للزاوية الأولى: فيقول مولانا أمير المؤمنين (ع): (لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمانٍ غير زمانكم)(2).
حيث يؤكد على نوع المعاملة مع أبنائنا الشباب، لأنهم يعيشون في فترة زمانية غير التي عاش فيها الآباء حيث التغيير طرأ على كل شيء بدءاً من الزي والمأكل وشكل المسكن مروراً بوسائل العلم والعمل وانتهاءً بتغير الألفاظ، وظهور العادات والتقاليد الجديدة التي لا تنافي بالطبع الخط الإسلامي العام.
وعلى ضوء ذلك فلا بد أن يتغير أسلوب الحوار معهم أيضاً. وإلا فلا معنى أن تتغير مظاهر الحياة ولا نغير حوارنا مع الشباب. وعليه فينبغي أن نفتح آفاق رحبة مع أبنائنا الشباب، ونكثر من بناء الجسور التي تربطنا بهم، فنلتقي معهم عبرها في كل آن، ونبتعد عن كل حالة أو أسلوب من شأنه أن يشنج العلاقات وينفرهم عنا لا سيما الأسلوب التقليدي في التسلط على الشباب، انطلاقاً من قاعدة احترام الكبير، فيسيء إلى الشباب من خلال ما يتمتع به من مقام الأبوة أو غيره، فنلاحظ في مظاهر التسلط أجواء الضرب أو الصياح أو كم الأفواه أو تحجيم لشخصيات الشباب وإلغاء دورهم في الحياة، وغير ذلك مما هو بعيد كل البعد عن الإسلام ومفاهيمه، وحينئذِ نتوقع أحد الأمرّين من الشباب، فهم إما أن يصبحوا متسلطين كآبائهم وهذا بالطبع ينعكس على علاقاتهم مع الناس، ويجعلهم أفراداً غير مرغوبين في المجتمع ولا ينسجم معهم أحد. أو يفلت الشباب من هذه القبضة الحديدية فيكون لديهم رد فعل معاكس فتدب في نفوسهم أمراض الكبر والعجب والهوى.
أما الزاوية الثانية فهي: أن نلاحظ سلوك الشباب فيما بينهم ثم نقوم بسد الثغرات عندهم، والتحرك في هذه الزاوية على مستويين أيضاً الأول: التعايش مع الشباب وعدم الابتعاد عن عالمهم المرح.
والثاني: وضع الحلول العملية الميدانية لمشاكلهم المختلفة.
فعندما يريد الأب أو المربي، أن ينظر للشباب ويربيهم تربية روحية وثقافية واعية، عليه أن لا يكون شخصاً غريباً عن عالمهم ولا عن تفاصيله، فعادة الشباب لهم نمط خاص في المعيشة، ولون خاص، وحركة دائبة وآمال عديدة، وتصرفات تحتاج إلى موازنة وإلى غير ذلك. فعلينا أن لا نهمل هذه الجوانب مع الالتفات إلى مختصات الذكور ومختصات الإناث.
إذن هناك أساليب لطيفة وجذابة تتلائم مع روح الشباب وتنسجم مع منطقهم، وعلينا أن نخلق أجواءً للحوار تنفتح فيه قلوب الشباب معنا، وتنمو قدراتهم، ونعلمهم أسلوب الإصغاء، وإعطاء الجواب والتفكير بتأمل واحترام الآراء والأشخاص لكي يصبح رصيدهم الروحي أكبر من أي رصيد آخر، فيتعاملون مع الناس من منطلق المعنويات الإنسانية.
وعلينا أن نوضح لهم ما هو دور المبادئ في حياة الإنسان، ومعنى الأهداف والآمال، وكيف يجب أن تكون الأهداف والمبادئ شريفة مقدسة لكي تكون حركة الإنسان نحوها حركة لها معنى؟ وعندما يضحي الإنسان بروحه من أجل مبادئه يكون لتضحيته رصيد عند الله ولا تذهب سدى، وغير ذلك مما ينظم توازن الشباب بين أفكارهم وحركتهم في الحياة على صعيد الأهداف ومقوماتها.
التنظيم واستغلال أوقات الفراغ
فمن الضروري إيجاد فرص العمل للشباب حتى لا يبقى الشاب عاطلاً.. فإن الشاب يتمكن من العمل أكثر من غيره وقد ضرب رسول الله (ص) وأهل بيته (عليهم السلام)، وأصحابهم المنتجبين أروع مثل للعمل الدؤوب. حيث كان النبي (ص) في حال فراغه القصير يعمل في دبغ الجلود بالقرض كما ورد في بعض التواريخ، كما انه (ص) عمل بنفسه الشريفة في بناء المسجد مع المسلمين (المسجد النبوي الشريف)(3). وقد قال الإمام الحسن (ع): (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)(4).
لذا فمن اللازم على المسؤولين أن يهيئوا للشباب - بنيناً وبناتاً - الأعمال المناسبة لهم، فإن الكرامة الاقتصادية توجب الكرامة الاجتماعية ففي الحديث: (نعم العون على الدين الغنى)(5). وذلك بتنظيم الشباب تنظيماً حسب الموازين العلمية والشرعية بتنظيم أوقات الشباب بحيث تملأ الفراغات فيها بأسباب العلم والتقدم..
وذلك بمختلف المناهج السمعية والبصرية والأمور الثقافية أو الترفيهية.. فمن الواضح أن الإنسان بطبيعته يريد ملء فراغه، فإذا لم يملأ الفراغ بالمناهج الصحيحة، ملأه بالمناهج الباطلة، وقال أمير المؤمنين (ع): (أشد الناس حساباً: الصحيح الفارغ) (6) وعنه (ع): (إن الله ليبغض العبد الفارغ) (7).
ثمار استغلال الفراغ والتنظيم
إن الطلاب والشباب بصورة عامة يمتلكون أوقات فراغ أكثر من غيرهم فلديهم ثلاثة أشهر متواصلة من العطلة الصيفية بالإضافة إلى أيام العطل التي تتخلل أيام الدراسة، فلا بد للشباب أن يستغلوا أوقات فراغهم ويستثمروها لما فيه الخير لهم وللآخرين فمثلاً يسعى في خدمة وإعانة والديه في خارج البيت وداخله، فقال رسول الله (ص) وهو خير الخلق: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)(8). فممارسة هذه الأعمال تنطوي على مدلولات وفوائد كثيرة، فهي استغلال للوقت الذي لا يمكن أن تفرط به الأمة التي تريد لنفسها التقدم والازدهار خاصة إذا كان المجتمع زراعياً كالقرى والأرياف.
أما إذا كان المجتمع صناعياً فإنه يوفر وقتاً ثميناً للإنتاج كماً وكيفاً في المصانع والمعامل، وبالتالي حصيلته تظهر في رفع مستوى البلاد الإسلامية في الجوانب الزراعية والصناعية والاقتراب من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وهي مسألة مهمة جداً، إذ تعني أننا نستطيع أن نقترب من مستوى الاستغناء عن واردات وخبرات الأجنبي الذي يكبلنا بمختلف القيود والشروط رغم ما ندفعه من أموال وثروات مقابل ذلك، ونحن نرى اليوم أغلب الوسائل والأدوات التي نستخدمها في مصانعنا وبيوتنا من صنع الأجنبي، في حين أن عقولنا وطاقاتنا ليست اقل من عقول الآخرين، والفرق انهم استغلوا جهودهم ووقتهم، ووظفوا طاقاتهم من أجل تطور بلدانهم، في حين اعتاد بعضنا على الاستهلاك والتلقي من الغير دون مبادرة أو إبداع، حيث يقول مولانا أمير المؤمنين (ع): (احتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأفضل على من شئت تكن أميره)(9).
الجانب العلمي
هناك بعض الجوانب العلمية التي يعتبرها الإمام الراحل (قدس سره) من قواعد الحياة للحفاظ على جيل الشباب وعلى مسيرتهم الرائدة ومن هذه الجوانب:
1- الاهتمام بالتجمعات الجماهيرية الشبابية، فإنها تكون وسيلة من الوسائل التي يميل إليها الشباب، وبنفس الوقت تكون وسيلة لنشر الثقافة، حيث تتداول فيها الأقوال والأخبار، وهذه التجمعات تارة تكون موجودة، وأخرى يجب أن نحث ونشجع على إيجادها، لكي نجمع أكبر قدر ممكن من الشباب المشتت والضائع، ولابد أن نضع برامج بواسطتها نقدم الشباب خطوات إلى الأمام على الصعيد الاجتماعي والفكري، بإقامة التجمعات والمؤسسات أو التجمعات التي تحتوي الشباب، ومما لا شك فيه أن هناك عناصر أخرى من الأعداء تسعى لتنظيم شبابنا واستغلالهم في أهدافهم الخطرة وجعلها تصب لصالحهم.
2- الاهتمام بنشر الفكر الإسلامي الأصيل في أوساط الشباب ولا سيما المحور العقائدي، لما يشكله من أهمية في حياة الشباب، ونكون بذلك قد ضربنا الأسس الفكرية المنحرفة، والتي تقوم عليها الثقافة والفكر غير الإسلامي، وبنفس الوقت نكون قد عرضنا المفاهيم الإسلامية لأبنائنا الشباب بكل وضوح. وهنا نورد أحد الخطابات التي وجهها الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) إلى الشباب ويقول:
إلى الشباب الأعزة (10): انتم القوة والمنعة، والطاقة والاندفاع، ومفخرة الأمة، ومنطلق العمران والتقدم فعليكم أن تهتموا بأنفسكم أكبر اهتمام وتعرفوا قدر أنفسكم أحسن معرفة، وذلك يتوقف على أمرين:
أمر إيجابي: هو أن تجعلوا من أنفسكم أداة علم ومعرفة وفضيلة وصلاح وعزة، فإن كنتم طلاباً فارفعوا من مستوى ثقافتكم ولا ترضوا بالتأخر في مجال العلم والمعرفة ولا بالتأخر في مجال الاختراع والاكتشاف. وإن لم تكونوا طلاباً فعليكم بالجد والاهتمام بالعمل الموكول إليكم فقال رسول الله (ص): (رحم الله امرءاً عمل عملاً فأتقنه)(11).
أما الأمر السلبي: فهو أن تجتنبوا من أن تكونوا آلة هدم ودمار وانحطاط وتفرقة، يطمع فيكم الطامعون وأن لا تقعوا في شبكات الأفكار الواردة، والآراء السقيمة، والأنظمة الهدامة، واعملوا بنصائح القرآن الكريم والسنة المطهرة، وآراء ذوي الخبرة من كباركم واسهروا الليل والنهار لتلحقوا بركب الحضارة الحديثة، بل والتقدم عليها، مع الاحتفاظ بالتراث الإسلامي الزاخر بكل خير وسعادة ورفاه وطمأنينة.
اضافةتعليق
التعليقات