نقرأ في المناجاة الشعبانية هذه الفقرات: [وَتَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي، وَتَخْبُرُ حاجَتِي وَتَعْرِفُ ضَمِيرِي، وَلا يَخْفى عَلَيْكَ أَمْرُ مُنْقَلَبِي وَمَثْوايَ]، إذ يمكن لنا أن نستلهم منها معان ثلاث:
المعنى الأول: معنى عقائدي
فهي -كما يبدو- ترجمان لحديث إمامنا علي(عليه السلام): [رحم الله امرئ علم من أين؟ وفي أين؟ وإلى أين؟]، فالفقرة الأولى تشير لمعرفة أصل خلقة هذه النفس، فلا يعلم بالنفس إلا خالقها سبحانه، وفي الفقرة الثانية تشير إلى مرحلة (في أين) فحوائجنا الآن ومقاصدنا هي تحدد أين نحن الأن مما سيؤول إليه مصيرنا الأبدي، والفقرة الثالثة تشير إلى مرحلة(إلى أين) فلابد لنا من معاد نرجعه به إلى مثوانا الأخير.
المعنى الثاني: معنى وجداني
إذ نحن من يحتاج أن يعلم كما في الفقرة الأولى (إنه عز وجل يعلم بما في أنفسنا)، أي يعلم درجة صدقنا، حبنا، وسعينا لنكون كما يحب ويرضى، وهذه المعرفة [بأنه يعلم] لابد أن توجب لنا حالة من الإطمئنان، لكي لا نستسلم بل ننهض إذا ما سقطنا، ونُقوم مسارنا إذا ما تعثرنا، فلا نيأس من أنفسنا، ولا نستجيب لوساوس الشيطان بأن الله تعالى قد أهملنا أو نسينا، حاشاه... حاشاه، فهو القريب، الطبيب، الساتر لكل عيب.
كما ونحتاج أن نعلم أن الله تعالى يَخبُر حوائجنا المكنونة في ضمائرنا، فليس بخلا منه لا يعطينا إياها أو يؤجلها، بل لأنه يخبر أين هي مصلحتنا، وما هي مصلحتنا، ولعله يكون قد أستجاب لكن ليس بالشكل الذي كنا ننتظره، ولا بالمقصد الذي كنا نطلبه، كما في قوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}(١)، لذا فقط علينا أن نوقن ونستشعر هذه العبارة إنه عالم وخبير ومحيط بنا، فنطمئن ونشعر بالأمان على كل حال.
المعنى الثالث: المعنى العملي
وهو [لأنه يعلم] فعلينا أن نلح في الطلب بأن يُعلمنا منه علما ننفذ به إلى انفسنا فنعرف أحوالها ونبصر خباياها، لنصلحها ونهذبها، كما في قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(٢).
و[لأنه الخبير] علينا أن نطلب منه الرشد، ليرشدنا على حقيقة حوائجنا وما هي غاياتنا ومقاصدنا لنصحح بعدها نوايانا، فلا تكون حوائجنا بلا قيمة ونوايانا سقيمة، بل تكون خالصة لوجهه، مثمرة بتوفيقه.
ولأنه سبحانه العالم بوقت [منقلبنا] أي رجوعنا إليه، و[مثوانا] أي المستقر الأبدي لنا هل هو دار سعادة أم- والعياذ بالله تعالى - دار الشقاء، فهذه الإحاطة والحاكمية التي له سبحانه تعني أن هناك فرصة؛ لنسأله أن يعيننا لنكون الآن كما يجب، فنعود إليه كما يرضى ويحب.
لذا نستطيع أن نقول أن هذه المناجاة يمكن أن تكون تبصرة لكل من يتأملها، ويتدبر مفرداتها ليكون أقرب لربه وأعرف بنفسه، وأكثر سكينة واطمئنان في حياته.
-----
اضافةتعليق
التعليقات