قبل مدة وجيزة من كتابتي لهذه الأسطر طرحت سؤالًا عبثيًا لأمي، قلت لها: ماذا كان ليحدث لو أن كل هذه التقنية لم تكن موجودة في العصر الذي أعيش فيه؟
حملت أمي سؤالي على محمل الجد وأجابتني أنها كثيرًا ما أرهقها التفكير في (طه حسين) وكيف تمكن من الوصول إلى تلك المكانة دون أن يتوفر لديه أدنى ما كان عندي، سواء أكان من الناحية التقنية والأجهزة المدعمة جميعها بمساعد خاص لفاقدي البصر، أو حتى من ناحية الدعم المقدم له عائليًا.
في الحقيقة يتوقف نجاح كل شخص على عاملين أساسيين يتمحور أحدهما في مدى استعداد الشخص ذاته للنجاح: أي الطاقة الكامنة في نفس كل إنسان ومدى استثماره لتلك الطاقة؛ فيتوقف والحالة هذه نجاح كل فرد في الهيئة الإجتماعية على مقدار تسخيره لطاقته وشحذه الهمة لبلوغ ما يصبو إليه وايصال رسالته، وهنا يأتي الموضوع الأكثر أهمية، فمتى ما أدرك الانسان رسالته في الحياة وأنه لم يخلق عبثًا، توقف عن هدر الوقت واضاعته سدًا وبدأ يفكر بشكل جدي في مصيره وما الذي يؤمل أن يأول إليه مستقبله، ومتى ما أدرك أنه خليفة الله في الأرض ازداد حبه للسعي، وتأججت رغبته في تعمير هذه الأرض.
فالتقدم والنجاح لا يأتي من لا شيء، وأتعجب كل العجب عندما أرى شخصًا يضيع وقته سدًا ثم يشعر بالغيرة من أحد معارفه إذا ما ظفر بنجاح مهما بلغ صغر ذلك النجاح أو كبره؛ فالأولى إذ ما رغب أحدًا ببلوغ المعالي أن يسعى ويجتهد فكما يقول الشاعر أحمد شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
في حين تمثل البيئة المحيطة بالشخص والظروف المرافقة له، العامل الآخر الذي يتوقف عليه نجاحه من عدمه؛ فقد يتمكن أحد من بلوغ سلم النجاح والارتقاء بنفسه رغم ما يعاصره من ظروف، غير أن تلك النجاحات ستتعاظم لو أنه قد حظى بظروف أفضل، فعند العودة إلى ما بدأنا به: أي العودة لعميد الأدب العربي طه حسين كان سعيه واجتهاده العامل الذي يعزى له الفضل الأكبر في نجاحه، ومن ثم مثل وجود زوجته المخلصة له (سوزان بريسو) اضافة كبيرة ذات أبعاد مهمة في حياته ويبدو ذلك جليًا عند قراءة الجملة التي كتبها (طه حسين) إلى زوجته: بدونك أشعر أني أعمى حقا. أما وأنا معك، فإني اتوصل إلى الشعور بكل شيء، وأني أمتزج بكل الأشياء التي تحيط بي .
والمتصفح لحياتهما معًا يعي جيدًا ما أعنيه؛ فلم يكن (طه حسين) مهملًا أو ينتظر أن تحل به معجزة تغير من حاله، وبذلك أعود وأؤكد على أن الإنسان هو الداعم الأول لنفسه؛ فمهما بلغ ما يقدمه الآخرين من دعم وتحفيز لا يمكنهم جعل من لا يرغب في الصدارة طالما لن ينهض هو بنفسه.
اضافةتعليق
التعليقات