"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان"..
كثيراً ما قرأنا هذا الحديث الشريف، حفظناه، سمعناه، رددناه، واعتبرناه من ذكريات المدرسة فحسب، لكن لو تمعنا فيه جيداً، لو فهمنا العمق الذي يصل إليه، لفهمنا إن فيه منهاج حياة وقانون ينظّم أيامنا ويُنقذنا من متاهات المنكر والشر. لوجدناه يصفُ حال عصرنا بدقة بالغة، إنه يوّفر لنا مراحل رفض الأذى والتنديد به، من الفعل إلى القول ثم إلى الشعور، كيلا يكون علينا حُجةً، إننا لا نستطيع فعل شيء، فنحن لا يمكن أن نُغيّر الكوكب وحدنا!
فجاء احتمال القول، استنكر قبيح ما تراه بالقول إن كنتَ في موضع حديث أو بالكتابة إن كنت في موضع يسمح لك بالكتابة وهذا ما توفره التقنيات الحديثة، لم يبق صغير أو كبير لا يمسك بين يديه هاتف ذكي وشبكة انترنت تُسهل عليه ولوج أي موقع أو تطبيق في ظرف ثوانٍ معدودة ومن ثَم يستطيع أن يوصل رأيه واستنكاره لمائة شخص على أقل تقدير وإن عجزت عن الفعل والقول، فربُك بصيرٌ بالقلوب والنيات، يكفيك أن تُشهده عما لا ترتضيه قولاً وعملاً، ولعلك تشعر بأن رأيك لن يُحدث فرقاً، بل سيفعل. "لا تُحقرّن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاكَ بوجهٍ طليق".
إن الإسلام دينٌ هيّن، ليس بتعجيزيّ، ولا يُثقل على الفرد ما ليس في طاقته أو مصلحته، يعرف الله وسع نفوس عباده فيمنحها على قدر سِعتها، لا يعذب أحداً ولا يُقيّده، أحراراً خَلقنا، نلتمسُ سُبل النور بفطرتنا، نسيرُ حيث آخر النفق لأن فينا من الإيمان السليم ما يجعلنا نؤمن بوجود الضوء، لكننا بأنفسنا أضعنا الطريق وحِدنا عن جادة الصواب، ضيّعنا بوصلة الهِداية وخلطنا الجهات فما عدنا نُفرّق بين شرق أو غرب، نرى المنكر فنصمت عنه، نتبرأ من السوء الذي يلحق بأمتنا بحجة أن لا شيء بأيدينا لنفعله! نُجيد التملص من واجبنا، نحترف التذرّع، في حين أن وسائل درء الشر والأمر بالخير يسيرة جداً ولا تتطلب إلا ضغطة زر واحدة.
اضافةتعليق
التعليقات