في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان، اجتمعت الدنيا مع القدر على المكيدة لعلي ابن أبي طالب (عليه السلام)، كان للقدر حكاية قاسية رداً على جميل وصي الله، وكانت الدنيا تثأر منه رداً لفعله على طلاقها بالثلاث، فكان الإثنان يثأران بسيف ذو حدين لطبر هامة الوصي المُبَجَّل من قِبل السماء، وصية رسول الله وباب علمه وساعده الأيمن، لم تكتمل فرحة الايتام والأرامل بتفقد الامام علي (عليه السلام) لهم، ولم تكتمل جمعة عائلته على مائدة الإفطار بحضور الأب الحنون، فعندما خرج من صحن الدار قاصداً المسجد كان قد رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يقول له ستقبل عليَّ يا علي، فاستبشر الإمام برؤية الرسول وذهب يتخطى الخطوات الأخيرة التي تقوده نحو المنيَّة، كان كل شيء يودعه في الدار من الجدران والأرض وحتى طير الأوز، كل شيء سيفتقده حتى الهواء الذي يدخل لرئتيه الشريفتين.
ذهب يتخطى الأرض وكأن الأرض متمسكة برجليه الشريفتين لأنها ستفقد البركة برحيله، وصل المسجد وبدأ بالانشغال بالعبادة والتهجد والقيام وذكر الله وتسبيحه وحمده وشكره والثناء عليه، علَّه كان مستأنساً بليلة القدر الأولى ولذة المناجاة فيها، ما بين صلاة وركوع وسجود وقنوت حلت صلاة الفجر والوصي قام ليؤديها، أكمل ركعتها الأولى وبدأ بالثانية، لكن كان هناك لعين مخبئ سيفا مسموما بجوف ثيابه، وانتظر سجود الإمام بركعته الثانية فأتى بكل قوة وفلق هامة الإمام علي (عليه السلام) بالسجود بسيف مسموم قاتل.
ضجت لفعلته كل مخلوقات الله من الجن والإنس والدواب والهوام، هزَّ الأرض نداء السماء (تهدمت والله أركان الهدى) ناحت الملائكة واهتز عرش الله لهذا المصاب الجلل، بكت السماء دماً عبيطاً وكادت أن تتزلزل الأرض، أصبح البكاء يملأ أروقة الدور والنوائح تحيطها، بقى الإمام علي (عليه السلام) يومان والسم القاتل يأكل جسده الشريف رويداً رويداً، في الليلة الثانية والعشرون من رمضان ذهب إلى الرفيق الأعلى مودعاً عياله وموصياً لإبنه البكر الحسن (عليهما السلام) بوصية طويلة متضمنة أن القصاص من القاتل ابن ملجم المرادي (لعنه الله) ضربة واحدة فالقصاص عادل.
فروحي لك الفداء يا أبا الحسن أنت بهذا الحال وترأف بعدوك وتخاف عليه بأن لا يتأذى، فأي سمو وأي أخلاق وأي عدالة هذه؟؟، فأثبتت الدراسات العليا للجامعة الإنسانية أن الإنسان المتمتع بأسمى آيات العقل البشري يكون حاصلاً على ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) ودون ذلك الشرط فإن عقله لم يكن في محله المناسب فلينظر لنفسه قليلا..! فلم يسعني القول إلا أنه علي وكفى، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
اضافةتعليق
التعليقات