_ ألم تصلكِ صورهم؟ ألم تسمعي أخبارهم؟ ألم يتناهى إلى مسامعكِ حديث اضطهاد ملّتهم؟ ألم تشاهدي أجسادهم وأجساد أطفالهم وهي تُشوى على الأسياخ كما الدجاج؟! ألم تحرك فيكِ شعرة جثثهم التي أصبحت طعاما للطيور الجارحة والغربان؟!
_ بلى سمعت ورأيت وتأثرت، فلا حاجة لتذكيري بموجعات القلوب.
_ إذن لمَ هذه الغفلة عنهم؟ ولمَ هذا التناسي لآلامهم ومعاناتهم؟ أليسوا بشرا مثلكم؟ فلمَ لا تبدون مشاعر التضامن ولو كانت بالحدود الدنيا؟!
_ ومن قال لك ياسيدي أننا غير متضامنين معهم؟ بلى اننا نتمزق في دواخلنا حين نرى بأعيننا ما يجري عليهم من ابادة جماعية وتشريد وحرق وتنكيل.. لكن ليس باليد حيلة كما تعلم.
_ بلى بأيديكم فعل الكثير الكثير.. فلا يكفي أن تعرفوا حدود جغرافيا الألم، أو تواريخ أمة تكاد تندثر وتتلاشى بسبب انسلاخ الانسانية من بعض بني البشر.
_ سيدي أيها الاعلام: لا تضع اللوم علينا لوحدنا.. أرجوك فأنت أيضا كنت مقصرا اتجاههم، ولم تبرز جوانب معاناتهم كاملة!.
_ أنا؟! وهل عرفتم (الروهينجا) أنتم إلا من خلالي ومن خلال وسائلي؟! لقد ناديتكم بأعلى صوتي ولكنكم لا تسمعون، وأخبرتكم أن هناك أمة تباد بكاملها، أمة تدين بدينكم.. تشبه ملّتكم تصلي إلى الله كما تفعلون، لكن حكم الطغمة الباغية تمنعهم، ولا تعترف بهم لأنهم على دين غير دينهم.
لقد أخبرتكم أن هناك بلد اسمها "بورما" موجودة قرب الصين والهند.. تعيش فيها أمة مسلمة اسمها "الروهينجا" ولها مسمى آخر هو "ميانمار" يحكمها عسكر بوذيين، والمسلمون هناك يمثلون حوالي 10% من السكان.. وذكرت للجميع معاناة هؤلاء المسلمين، ونُشرت عبر وسائلي صورهم وهم يُحرقون ويُداسون وتُكسّر عظامهم.. فهم يتعرضون للإبادة والتشريد والمجاعة والتمييز العنصري والعرقي، لكنكم لم تحرّكوا ساكنا.
كما أخبرتكم أن هذه القصة ليست جديدة، فهي عبارة عن جرائم متواصلة وممنهجة بدأت منذ زمن بعيد منذ سنة 1784 م واستمرت إلى يومنا هذا.. لما أحتلها ملك بوذي اسمه "بوداباي" الذي خشي انتشار الإسلام في المنطقة ومن وقتها بدأ اضطهاد المسلمين، والبوذيون قاموا بأبشع الممارسات ضدهم من حرق وقتل وتعذيب، وكُل الذي حصل ويحصل لهم لا لذنب اقترفوه، بل ذنبهم الوحيد أنهم مسلمون لا أكثر ولا أقل!!.
ولمّا حاول مسلمو بورما أن يهربوا من حملة الابادة الجماعية، لم يرض أي بلد مسلم أن يستقبلهم فوق أراضيه، فكان الخيار الوحيد أمامهم هو أن يموتوا في البحر غرقا أو يُقتّلوا صبرا وحرقا وجوعا.. أما ذكرتُ لكم هذه الحقائق مدعّمة بالصور؟! إذن أين وجه التقصير في عملي؟!
_ بلى ذكرت ذلك لنا سيدي، إلا أن هناك بعض ضعاف النفوس استغلوا أسوأ مزاياك وهو
(التعتيم)!.
_ وليكن.. فأنت تمسكين بين أناملك بأفضل وسائلي وهو القلم.. فلتستغلي أنتِ وأمثالكِ أجمل مزاياي.. ولتشحذوا أقلامكم جميعا لكشف الحقائق المغيّبة وابرازها للسطح، عسى ولعل تصل لمن بيده عقدة الحل، ولا تنسي أنّ مَن أكثرَ طرق الباب أوشك أن يلقى الجواب.
_ إنّ من تقول عنه سيدي بيده عقدة الحل، هو نفسه أكرم الجاني ورشحه لنيل جائزة نوبل للسلام!! فرئيسة وزراء بورما (أونغ سان سو تشي) والتي قادت حملة تطهير ضد مسلمي الروهينجا هي من حصلت على جائزة نوبل للسلام!.
ولعل بعض حكوماتنا العربية ومنها السعودية حذت حذوهم، وهي ليست المرة الأولى التي تستلم فيها الحكومة البورمية مساعدات من عرب، فقد سبق وأن قدمت الحكومة السعودية عبر وزارة العمل مساعدات للحكومة البورمية، فيما قدمت الامارات المتحدة الحماية لمسؤولين في الجيش البورمي متهمون بارتكاب جرائم حرب.
_ كل ما ذكرتيه صحيح، ولكن ماذا فعلتِ أنت وأمثالك حينما وصلتكِ هذه الأنباء؟ هل نشرتموها على نطاق واسع؟ هل أسهبتم في تبيان حقائق الأمور؟ هل تكبدتم عناء الكشف عما يجري خلف الكواليس؟ هل شكّلتم رأي عام بأقلامكم حتى يتم الضغط على الهيئات الدولية لسحب جائزة نوبل ممن تلطخت أياديهم بقتل البشر؟!
_ لا لم نفعل للأسف الشديد أعترف لك ياسيدي بتقصيري وقصوري عن ايصال صراخ المظلومين، وأعترف أنني فشلت في الدعوة لأنسنة الانسان.. ذلك الانسان الذي اعتراه التوحش واستوطن فيه، حتى استحال إلى وحش مقيت، ربما أنسنة الانسان تحتاج إلى معجزة حتى تتحقق على أرض الواقع، إلا إنني قادرة بالتأكيد على قول كلمة الحق، والتي لا أريد بها إلا وجه الحق سبحانه، وإن سألني أحدهم: كيف تتضامنين معهم؟ سأجيب: إن الأمر في غاية البساطة.. فهؤلاء إخوة لنا في الإنسانية وفي الدين، فلنبرز قضيتهم عبر وسائل الإعلام، ولعل أبسط ما يمكن أن نقدمه لهم هو التعريف بقضيتهم والإحساس بمعاناتهم وايصال مظلوميتهم، وأن كل ما نعانيه من مشاكل في حياتنا لا تساوي شيئا أمام ما يعانيه أهل بورما..
لقد تخلى عنهم العالم الإسلامي والعالم الإنساني..
إنهم يشبهون أصحاب الأخدود إلى حد كبير.. فلننشر قضيتهم ولنجعل العالم يعرفها ويطّلع عليها، فهذه والله وصمة عار في جبين الإنسانية قاطبة، والعالم الإسلامي بصفة خاصة، ولندعوا لهم كثيرا في صلواتنا، ولنتوسل إلى الله بفنون الدعوات كي يستجيب لنا، عسى أن يرفع الله عنهم هذا البلاء، ويكشف هذه الغمّاء، وينزل غضبه وانتقامه على قتلتهم من وحوش البشر.. وهذا أضعف الإيمان.
اضافةتعليق
التعليقات