ذات ليلة من ليالي الشتاء الباردة، ومع سماعي صوت قراءة القرآن المجيد، آتية من الحرم العلوي الشريف؛ كانت ليلة غريبة بذاتها، قلبي يخفق وبشدة، لساني يردد: اللهم اجعل صباح يومنا هذا خيرا، توجهت نحو هاتفي، فتحت إحدى مواقع التواصل وإذا بي أرى صورة قد إنتشرت، إنها صورة السيد محمد جواد الشيرازي، ذلك الذي يحمل شعاع من النور المحمدي والورع العلوي والزهد الفاطمي والكرم الحسني والفداء الحسيني، ولكن ماذا هناك بعد؟ السيد محمد جواد الشيرازي في ذمة الله..
لم تصدق عيني ما رأت، لكن كانت عمامة مرمية على الرمضاء وكأنني تذكرت عمامة ابي عبد الله (عليه السلام)، دخان يتصاعد، دماء قد ملأت المكان، وإذا به قد فارق الحياة في طريق العودة من زيارة جده الحسين (عليه السلام)، دموعي منعتني من أن أرى شيء آخر ولكن عقلي لا زال مكذبا.
خرجت إلى الخارج نظرت إلى السماء كأنها حزينة قد كسى السواد والحمار لونها، كأني أسمع أصوات أنين وحنين، ضوء الشمس يأبى أن يخرج، كان من الواجب الحضور مع أهل المصيبة والقيام بواجب العزاء، ذهبت ولم يكن هناك غير الألم والحزن، والصراخ، والبكاء، كان قلبي يردد ويتمتم بعض الكلمات، أنظر إلى الناس وإلى أهل الدنيا وأقول: هل يشعرون بالخجل من صفاء تلك الارواح المهاجرة، بأجنحة صغيرة، وأوزان خفيفة.
جاء أحدهم حاملا صورا لذلك الملاك وكأن الصورة تتحدث وكأنه يحادث تلك الوالدة الصبور: بحنانيك وضميني إذا ما غادرت دفئك أحيطيني، أشرعتي أولادي كوني في ظلام الليل قنديلا يواسيهم، أعينيهم على الدنيا بعون من الرحمن يهديهم ويؤويهم، وكأني بقلبها يقول ولسان حالها يردد: رحت أفتش عنك بكل العيون أوحدي أراك؟!
في مقتبسات هذه الحياة يتاح للروح أن ترحل حيث تريد، رحل الجواد في ملكوت العشق لبرهة، حيث حنايا العاشقين هناك، حياة لا تطيب بعدها حياة.
مرت ساعات هدوء ممزوجة بالدموع، شفاه تتكلم عن ذكريات معه، وجوه تسطع بالأنوار رمقتهم، حتى في الساعات التي علي أن أذهب نحوهم خطواتي تتباطأ، لكن علي الذهاب نحو الوالدة الحنون الذي كان صوتها مملواء بآثار الحزن، ونظرت إليها، اه لتلك العينين شبيهةً بنقاء الماء ولكن الدموع انهكتها.
مرت الأيام، الأسابيع، والشهور وقد قاربت السنة على المرور، كأني بالأم كثيرا ما تردد: لماذا هدوء البيت لا يعطي الهدوء لقلبي المشتعل حنينا؟؟ لماذا برد الشتاء لا يثلج قلبي المحترق شوقا؟؟ ثم أرجع، وكأني اعوم في بحر من التساؤلات! متى ترجع إذا؟ حنت لك الديار، لكن ملاك يتبع ملاك ليلتقي الجميع في الجنة وكما ورد في دعاء الندبة الشجي (صادق بعد صادق).
ويقول الشاعر:
رضى بقضاء الله فهو مصيب
وصبرا على الاحداث فهي تنوب
خليلي قد وارى التراب احبتي
فلم يبق لي فوق التراب حبيب
فإنا لله وإنا إليه راجعون.. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم..
اضافةتعليق
التعليقات