كان يعاني من أوجاع كثيرة في جسده الهزيل ولم يكن بوسعه التنفس بسهولة، جلس على الكرسي ليستقبل ضيوفه بينما كان يأنّ من شدة الوجع، وجده الأقرباء مع سوء حالته عندئذ سأله عمه الكبير: هل راجعت الطبيب؟ أجاب قائلا وهو في منتهى البرود: لا داعي للرجوع إلى الطبيب فأنا الآن في حالة مزرية عندما أصبح في حالة أفضل أراجع، إندهش العم من كلماته وجميع الحاضرين، أصبح يحدق إليه باستغراب وكأنهم كانوا يشكون في عقله، رغم صمتهم الذي خيم على المكان سأله الآخر وضحكته الهيستيرية كانت تملأ المكان: تذهب إلى الطبيب بعد أن تصبح أفضل؟.
مع أي عقل تتكلم هكذا وبأي تفكير تفكر هكذا يذهب الناس إلى الطبيب ليتخلصوا من الأوجاع والآلام ويرشدهم الطبيب وأنت تقول بعد أن تصبح أفضل تذهب إلى الطبيب!.
إذا انت تفكر هكذا إذن لماذا تراجع الطبيب بعد أن تتحسن وكيف يمكن أن تتحسن حالتك وأنت تعاني الى هذا الحد الكبير دون الرجوع إلى الطبيب؟
هنا بدأ يضحك بطريقة مجنونة بأعلى صوته، تعجب الجميع من أمره وسألوه عن السبب عندها قال: ألستم أنتم من حرمتموني من الحضور في مجالس الحسين (ع) بحجة عدم التزامي بواجبات الدين؟
ألم تقولوا كيف تخدم الحسين وأنت تعاني من خلل في واجباتك؟
هناك كنتم تتكلمون وأنتم أصحاء؟! والان أصبحت مجنونا لأنني تكلمت هكذا؟
أنتم سبب ابتعاد أمثالي عن الطريق الصحيح لأن الشاب عندما يكون في هذه المرحلة الصعبة يظن إن الله عزوجل طرده بسبب تمرده عليه ويشعر بأنه مليء بالذنوب والأرجاس، ولكن مجالس الحسين تفيقه من غيبوبة الذنوب وتأخذ بيده إلى ساحة النجاة وتؤثر عليه شيئا فشيئا ليتصالح مع ربه ويتوب ويرجع من جديد، هذه المجالس تبعث عبق الأحرار ليشعر المرء بأن الحياة تصبح حياة العبيد بعيدا عن الحسين عليه السلام.
هذه المجالس فرصة ثانية وثالثة لكل روح اتعبتها الآثام فهي تقضي على الخلايا الميتة التي ملأت الأجساد خلال العام وتجددها بفاعلية أكبر وتبرمجها ببرامج حديثة وممتازة، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وآله: إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة. نعم إن الحسين سفينة تأخذ الجميع ومنهم الغرقى في بحر الذنوب الذين هم في حالة يرثى لها، إن الحسين سفينة لنجاة جميع الناس ومنهم المذنبين والعاصين.
هذا هو الحسين الذي نعرفه نحن، يشفي المرضى وينجي الهالكين، من تمسك به نجا، المهم أن يفهم المرء ان أهل البيت عليهم السلام هم منجوه من بحر الهلكات ولكن الحسين الذي تتكلمون عنه لفئة قليلة من الناس مقيد بشروط بينما هو ملجأ ومأوى لجميع الناس دون أي شرط فمن قدم شيئا له رجع له أضعاف مضاعفة وتغيرت حياته 180 درجة.
الخدمة الحسينية الصادقة والبكاء بل وحتى التباكي على الحسين تعني مسيرة مختصرة للفوز بالجنة وهي تغنيك من السلوك والرياضات الروحية الأخرى، فسفينة الحسين عليه السلام أسرع وسفينته بأبي هو وأمي أوسع كما يقول الصادق عليه السلام: " كلنا سفن النجاة وسفينة الحسين أوسع وفي لجج البحار أسرع".
ذكر الشيخ التستري في كتاب الخصائص الحسينية: (فرأيت في الحسين (ع) خصوصية في الوسيلة إلى الله اتصف بسببها بأنه بالخصوص باب من أبواب الجنة، وسفينة للنجاة ومصباح للهدى. فالنبي (ص) والأئمة (ع) كلهم أبواب الجنان، لكن باب الحسين أوسع. وكلهم سفن النجاة ولكن سفينة الحسين مجراها في اللجج الغامرة أسرع، ومرساها على السواحل المنجية أيسر. وكلهم مصابيح الهدى، لكن الاستضاءة بنور الحسين أكثر وأوسع. وكلهم كهوف حصينة، لكن منهاج كهف الحسين اسمح وأسهل).
الحسين (ع) سفينة نجاة وليس من شأننا أن نبعد الآخرين عن التمسك به من خلال كلمة أو فعل أو أي شيء يثير في قلبهم الشك والحزن فلندعوا الجميع الى التمسك بهذه السفينة لننجوا جميعاً من الهلكات.
اضافةتعليق
التعليقات