من المعروف أن الأوقات غير العادية والظروف الخارجة عن نطاق المألوف هي التي تخلق الفرص، وخصوصاً الغريبة منها، وكذلك تخلق اموراً خارجة عن الطبيعة والذي يدهش معظم الناس عادة، مثلا شخص يربح الملايين عن طريق ورقة يانصيب، او يصاب احدهم بطلقة نارية في رأسه ولا يموت.
جميع هذه الأمور من الممكن ان يفسرها الناس على انه الحظ الحسن لعب دوره الأكبر في حياة الإنسان، كما ان هنالك فئة من الناس تربط جميع المعاكسات التي تحصل في حياتهم بالحظ السيء، ومن الممكن ايضا ان يتحاشوا الذين تصيبهم اخفاقات، وخسائر كبيرة، وخيبات مريرة، ومن المحتمل أن يكون هناك أشخاص يمكن أن يحسبوهم خيارات غير ملائمة للحياة حول الحظ والنجاح فهناك من نتفاءل بهم وهناك من نتشاءم منهم.
فالحظ، هو الشماعة التي بات يعلق الإنسان عليها جميع اعماله وفرصه التي فشلت او نجحت في مراحل حياته، بأداء الأعمال والإنجازات المختلفة.
فهل هنالك حظ عاثر وحظ حسن؟، ام ان القاء الأمر الى الحظ، انما هو للفرار من المسؤولية في من يتصور بأن حظه عاثر! وفي هذا المنظور قامت بشرى حياة بطرح هذا السؤال على شريحة مختلفة في المجتمع:
فقالت فاطمة جعفر (موظفة): "الحظ لعب دوراً كبيراً في حياتي، ولكن مع الأسف السيء منه، فكل شيء كنت افعله كان ينقلب ضدي.. كنت اسعى كثيراً في حياتي العملية، ولكن الظروف هي التي خلقت حواجز اجهضت جميع مخططاتي، والتوقيت الخاطىء ايضاً اثر على هذا المسار، ولكن في كل الاحوال لا اعتراض على حكم الله".
اما جعفر حمودي (طالب) قال: "لا اظن بأن هنالك شيء اسمه حظ!، الإنسان هو الذي يصنع حظه بيده، من الممكن ان تلعب الظروف دوراً سلبياً او ايجابياً في حياة الإنسان، ولكن تبقى عملية اتخاذ الأمور والتفكر بيد الإنسان نفسه، كما ان عاملا التحدي والصبر يلعبان دوراً كبيراً في حياة الإنسان.. ليرسم على اثره حياة الانسان بقلم التوفيق والحكمة الالهية".
وكان رأي ابتسام عامر (ربة منزل): "انا مؤمنة بقضاء الله سبحانه وتعالى، ومتيقنة بأن كل شيء يحدث بسبب ولسبب، حتى الامور السلبية التي تحدث في حياتي اعتقد بأن هنالك حكمة الهية خفية وراءها، اذ ان الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: "وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم". (سورة البقرة/216)".
الحظ حقيقة ام وهم؟
لا يخفى ان نظام الكون هو نظام العلل، اذ ان لا يوجد شيء اسمه صدفة، فإذا كان الحظ يعني الصدفة، يعني تحقق المعلول بلا علة، فذلك باطل.. وهنالك ما يرتبط بالعلل الظاهرية والعلل الخفية، فنستطيع ان نقول بأن فلان فشل في الامتحان لانه لم يدرس، هذه علّة ظاهرية، اما العلل الخفية فتتمثل بتلك الاسباب الخفية، فمثلاً لا نستطيع ان نقول بأن فلان حظه حسن فقط لكونه ربح ورقة يانصيب، لأن هذا الشخص خطى خطوات فعلية، وهو انه اشترى ورقة يانصيب ودفع بالمقابل مبلغاً مادياً عليها، ثم احتفظ بها على غير عادة باقي الناس، فهل كان هذا الانسان سيربح لو لم يشترِ الورقة واحتفظ بها؟، بالطبع لا... هذا الانسان هيأ الظروف المناسبة لإنجاح العملية وبعد ذلك توافقت الأسباب الخفية مع الأسباب الظاهرية فربح عن طريق القرعة.
فالإلتزام بالخطوات هو الذي يخلق الأجواء المناسبة للنجاح، اذ ان هذا الانسان هو من ضمن دائرة الالف شخص المشاركين في القرعة وليس من خارجها، فالعلل الظاهرية لا تمثل كل شيء، فهنالك من يدرس سنوات طويلة ولا يتوفق في علمه، وذلك يعود الى العلل الواقعية، فالدعاء والتوفيق الالهي لهما دور كبير في مسيرة الإنسان ونجاحه، ولكن مع هذا لا يمكن للانسان ان يخرج من العلل الظاهرية ويطلب العلل الباطنية، اي ان الطالب يقضي وقته باللهو واللعب ثم يدعو الله بأن يوفقه بالامتحان وينجح!.
هذا خارج عن نظام الحياة والطبيعية الكونية، ويذكر بأن النبي موسى (عليه السلام) سأل الله كيف النحلة تصنع العسل؟، فطلب الله منه ان يفتح يده، وبعد ذلك طارت نحلة على كفه، فسأل موسى عليه السلام، اين العسل؟، فقال الله عز وجل، انظر الى ظهر يدك، فرأى موسى قطرة من العسل.. فاستغرب النبي من الموقف، وقال: كيف حطت النحلة على وجه كفي وظهرت قطرة العسل على ظهر كفي!، فرد الله سبحانه وتعالى عليه: المهم ان الحركة من النحلة، امّا العسل فمني، ولكن اذا لم تكن النحلة لم يكن العسل.
هنالك بعض الآيات التي وردت في القرآن الكريم، والتي تذكر فيها تسمية الحظ بصورة صريحة ففي قوله تعالى "فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ"، (سورة النساء/176). في هذه الآية الشريفة جاءت تسمية الحظ بمعنى نصيب، أي ان نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى، اما الآية الكريمة الأخرى: "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" (فصلت/35)، وفي هذا الآية جاءت تسمية الحظ فيها بمعنى منزلة، إي ان الإنسان الصبور لهُ منزلة وشأن كبير عند الله سبحانه وتعالى، وهذه المنزلة لم تأتِ عبث، بل جاءت بالعمل الصالح والتفكر...الخ.
فهنالك الكثير من الناس يلقون اللوم على مفردة الحظ للفرار من المسؤولية، اذ ان الحظ كمفهوم الصدفة يعتبر مفهوم ملغى عند العقل وعند الشرع، ولتلافي هذه المفردة والتفكير بموضوعية اكبر على الانسان ان يحدد الخطوات الأساسية التي تؤهله للنجاح، ثم يسعى لها بقلب سليم، ويكثّر من الدعاء ليزيده الله توفيقاً في عمله.. كما ان هنالك امور كثيرة اخرى تسهل حياة الإنسان وتدفع عنه البلاء، كدفع الصدقة، ودعاء الوالدين وبرّهما، والالتزام بالصلاة...الخ. فالإنسان الذي يود ان يحظى بحياة هانئة عليه ان لا يقصّر في مسارات حياته والواجبات الدينية التي فرضها الله سبحانه وتعالى عليه، لأن باب النجاح الأول في حياة الإنسان الدنيوية والآخروية هو رضا الله (سبحانه وتعالى).
اضافةتعليق
التعليقات