هناك ساعات تمر على الانسان وكأنها سنوات من الألم، ليس باستطاعته فعل أي شيء والأصعب من هذا أن يشعر المرء بأنه وحيد ولا أحد يفهم ألمه ...
هناك ساعات في حياة كل انسان يتمنى لو بإمكانه حذفها من لحظات الدهر...
تلك اللحظات التي لا أحد يشعر بما يجري في داخلك من زلازل وبراكين وأنت وحدك يجب أن تقف بشموخ كي لا يشعر أحد ان خلايا عقلك وكيانك تتمرد عليك وتود أن تخرج من جسدك الهزيل لتعلن خسارتها...
هناك من يعتدي عليك وليس باستطاعتك أن تفعل أي شيء، ولا شيء...
هنا ترفع رأسك إلى السماء لتأخذ زفيراً وتبدأ من جديد، فمصائب الدنيا تهون عندما تتبع مبدأ "إن الله يرى...."
لذلك يقول زين العابدين في دعائه إذا اعتدى عليه أو رأى من الظالمين ما لا يحب، كما ورد في شرح الصحيفة السجادية لسيد محمد حسين الحسيني الجلالي..
الدعاءعلى الظالم:
(يامَنْ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ أَنْبَآءُ الْمُتَظَلِّمِينَ وَيَا مَنْ لاَ يَحْتَاجُ فِي قِصَصِهِمْ إلَى شَهَادَاتِ الشَّاهِدِينَ
وَيَا مَنْ قَرُبَتْ نُصْرَتُهُ مِنَ الْمَظْلُومِينَ وَيَا مَنْ بَعُدَ عَوْنُهُ عَنِ الظَّالِمِينَ قَدْ عَلِمْتَ يَا إلهِي
مَا نالَنِي مِنْ [فُلاَنِ بْنِ فُلاَن] مِمَّا حَظَرْتَ وَانْتَهَكَهُ مِنّي مِمَّا حَجَزْتَ عَلَيْهِ بَطَراً فِي نِعْمَتِكَ
عِنْدَهُ وَاغْتِرَاراً بِنَكِيرِكَ عَلَيْهِ).
يا من لا تخفى عليه أنباء المتظلمين، حالة المظلوم الذي يتظلم إلى الله غير خافية عليه في الحقيقة وان انخدع الخلق بالدعايات الكاذبة للظالم لتبرير ظلمه أو التغطية عليه.
يا من لا يحتاج إلى شهادات الشاهدين؛ لأنه عالم السر وأخفى وإنما يفتقر إلى شهادة الشاهدين الحكام الذين تخفى عليهم الحقائق.
يا من نصرته قريبة من المظلومين؛ لأنه على كل شيء قدير مهما كانت قوة الظالم.
يا من بعد عونه عن الظالمين؛ لأنهم بعيدون عن العدل في قراراتهم الظالمة.
هذه الصفات الأربع في الحقيقة هي سبب رفع الدعاء الى الله تعالى دون غيره ممن لا يلتزم بأوامره،
كنّى عن الظالم ولم يسمه وذلك إما خوفا عن زيادة ظلمه أو تحقيرا له لظلمه والذين ظلموا الامام في حياته من ولاة المدينة كثيرون..
سبب الظلم:
أشار الامام عليه السلام إلى أهم الأسباب وهما البطر أي الطغيان والاغترار أي عدم الخوف وهنا يكون على إثر الاول وقد قال تعالى (إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) والاستغناء الجسمي في الشباب والمادي في الحياة يؤدي الى الطغيان وفي كل انسان حسب حاله وهو يستلزم عدم الخوف من النكير أي النهي من الله سبحانه، واكتفى بذكر الطغيان سببا لأن الأسباب المادية الأخرى الداعية الى الظلم ترجع إليه.
الأخذ على الظالم في نفسه :
(فَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَخُذْ ظَالِمِي وَعَدُوِّي عَنْ ظُلْمِي بِقُوَّتِكَ وَافْلُلْ حَدَّهُ عَنِّي بِقُدْرَتِكَ وَاجْعَلْ لَهُ شُغْلاً فِيَما يَلِيهِ وَعَجْزاً عَمَّا يُناوِيْهِ).
١-منع الظالم عن الظلم، خذ ظالمي وعدوي عن ظلمي فإن الأخذ عن الظلم يعني حبسه ومنعه.
٢-كسر حدّه "وافلل حده" فالفل هو الكسر.
٣-اشغاله بما يخصّه (اجعل له شغلاً بما يليه) ومايليه أي ما يقرب منه ويخصه فإن اهم اسباب الظلم كما تقدم هو الطغيان وهو ينتج من امور منها الفراغ وعدم المسؤولية بأداء شيء آخر.
٤-العجز عن العداوة (وعجزاً عمّا يناويه) والمناواة: العداوة وهذه الحالات تخص نفس الظالم وهو في أوج طغيانه لا يمكن لأحد صدها أو تغييرها سوى الله وقوته تعالى فيقدر له حالات طارئة يركز طغيانه عليها ويشغل بها كي يعجز عن الاستمرار في الظلم ويكف عن المظلوم شره.
وأما بالنسبة إلى المظلوم:
(أللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَلاَ تُسَوِّغْ لَهُ ظُلْمِي وَأَحْسِنْ عَلَيْـهِ عَوْنِي، وَاعْصِمْنِي مِنْ مِثْـلِ أَفْعَالِهِ،
وَلا تَجْعَلْنِي فِي مِثْلِ حَالِهِ).
١-جعل الظلم شاقا لا (تسوغ له ظلمي) والتسويغ: التسهيل فإن في كون الظلم شاقا يكون مانعاً له عن الظلم.
٢-العون عليه و(احسن عليه عوني) فإن إعانة المظلوم في مقاومته يكون مانعاً عن تمادي الظالم في الظلم.
٣-العصمة من فعله (اعصمني من مثل افعاله فإن المظلوم يفتقر الى هذه العصمة لئلا يلتجيء الى الانتقام بالظلم).
٤-التبري من الظالم (لا تجعلني في مثل حاله)، كي لا يكون في مثل حال الظالم (حالة الطغيان)،
اذ لو ابتلي المظلوم بالطغيان لكان مثله.
هذه الحالات الأربع تحفز المظلوم لأن يتحصّن ضدها لئلا يصبح ظالماً.
بالنسبة إلى الظالم :
(أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأَعِدْنِي عَلَيْهِ عَدْوى حَاضِرَةً تَكُونُ مِنْ غَيْظِي بِهِ شِفَاءً، وَمِنْ حَنَقِي عَلَيْهِ وَفَاء).
في هذا المقطع خص علاقة المظلوم على الظالم بخصلة واحدة وهي العدوى أي النصر عليه ليكف عن ظلمه ولا اكثر من ذلك حتى لا يتسلسل الظلم من الطرفين، فقد أكد في هذا المقطع على أن تكون العدوى الحاضرة أي النصر شفاء للغيظ من دون حنق وغيظ والنصر نفسه وفاء من الحنق وبذلك يتوقف الظلم وينتهي الخلاف.
التعويض عن الظلم:
(أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَعَوِّضْنِي مِنْ ظُلْمِهِ لِي عَفْوَكَ، وَأَبْدِلْنِي بِسُوْءِ صنِيعِهِ بِيْ رَحْمَتَكَ، فَكُلُّ مَكْرُوه جَلَلٌ دُونَ سَخَطِكَ، وَكُلُّ مُرْزِئَةٍ سَوَاءٌ مَعَ موجدتك).
حيث من الطبيعي ان الظلم يؤثر في نفسية المظلوم فيكون تواقا الى الانتقام تعويضا من الظلم الذي وقع عليه. أكد عليه السلام في هذا المقطع على التعويض بأمرين:
- التعويض برحمة الله بدلا عن الانتقام بسوء صنيع الظالم.
- عفو الله عما صدر من خطايا المظلوم.
فان الانتقام فيه سخط الله وهو موجب للموجدة أي غضب الله.
ماتعرض اليه المظلوم من الظلم وان كان مرزية أي مصيبة وهي مكروهه طبعا لكل انسان وخاصة في حالة الظلم ولكن مايعوض الله عنه من العفو والرحمة جزاء مضاعف للكف عن الانتقام والالتزام بالعفو.
الوقاية من الظلم:
(أللَّهُمَّ فَكَمَا كَـرَّهْتَ إلَيَّ أَنْ أَظْلِمَ فَقِنِي مِنْ أَنْ أُظْلَمَ).
هنا يؤكد الإمام على ان الظلم من المزالق التي تجر الى الظلم فإن المظلوم قد ينجر الى الظلم بسبب حب الانتقام وهنا يفتقر الى الدعاء في الوقاية من الظلم.
الشكوى من الظلم :
(أللَّهُمَّ لاَ أَشْكُو إلَى أَحَد سِوَاكَ، وَلاَ أَسْتَعِينُ بِحَاكِم غَيْرِكَ حَاشَاكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَصِلْ
دُعَائِي بِالإِجَابَةِ، وَأَقْرِنْ شِكَايَتِي بِالتَّغْيِيرِ).
من العادة عند حصول الظلم الشكوى الى من بيده الحكم من المخلوقين أو من له الصحبة من الناس وهذا المقطع يؤكد ان الشكوى اليهم ليس لها تأثير مباشر في ردع الظلم وذلك لأن اصحاب المحاكم تجعل الشكوى في ضمن ما يقرر في قوانينها واعرافها المرعية التي تستلزم وقتا قد يكون طويلا، واما من له الصحبة من الناس فلا يأتي منهم شيء سوى التعرف على عورات المشتكي ونقاط الضعف فيه وقد يستخدمونها لمصالحهم الخاصة خصوصا اذا ماانقلب الصديق عدوا فيمتنع الامام المظلومين من الشكوى إلى غير الله بقوله:
حاشاك أي انزهك تنزيها لائقا بك على ان استعين بحاكم غيرك …
الابتهال الى الله :
(أَللَّهُمَّ لا تَفْتِنِّي بِالْقُنُوطِ مِنْ إنْصَافِكَ، وَلاَ تَفْتِنْـهُ بِالأَمْنِ مِنْ إنْكَارِكَ، فَيُصِرَّ عَلَى ظُلْمِي وَيُحَاضِرَنِي بِحَقِّيْ وَعَرِّفْهُ عَمَّا قَلِيْل مَا أَوْعَدْتَ الظَّالِمِينَ، وَعَرِّفْنِي مَا وَعَدْتَ مِنْ إجَابَةِ الْمُضْطَرِّينَ).
الظلم فتنة-إي امتحان -لكل من الظالم والمظلوم وكل منهما يفتقر الى عناية الله بالخلاص عنها بنجاح وفتنة المظلوم انه على اثر الظلم قد يقنط وييأس من الانصاف وفتنة الظالم ان طغيانه قد يؤدي الى ان يأمن من العقاب والانكار عليه فيصر على الظلم والمظلوم المتأدب بالدعاء يدعو بالأمل في انصاف الله ويدعو على الظالم بأن يقف على ما أوعد الله الظالمين فيكف عن ظلمه..
بالنسبة الى نفس المظلوم:
(أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَوَفِّقْنِي لِقَبُولِ مَا قَضَيْتَ لِيْ وَعَليَّ، وَرَضِّنِيْ بِمَا أَخَذْتَ لي وَمِنِّي وَاهْـدِنِي لِلَّتِيْ هِي أَقْوَمُ وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا هُوَ أَسْلَمُ).
-قبول ما قضيت.. الايمان بالقدر خيره وشره.
-رضني بما... هو الرضا بالقضاء الإلهي خيراً أو شراً.
-اهدني للتي هي اقوم، في هذه الحالات يفتقر الانسان الى الهداية الإلهية.
-استعملني بما هو اسلم، هي سلوك طرق مقاومة الظلم حيث يفتقر الانسان الى سلوك الطريق الأسلم لنفسه واسرته ومجتمعه.
مقاومة الظلم :
(أللَّهُمَّ وَإنْ كَانَتِ الْخِيَرَةُ لِيْ عِنْدَكَ فِي تَأْخِيرِ الأَخْذِ لِي وَتَرْكِ الانْتِقَامِ مِمَّنْ ظَلَمَنِيْ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ وَمَجْمَعِ الْخَصْمِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأَيِّدْنِي مِنْكَ بِنِيَّة صَادِقَة وَصَبْر دَائِم، وَأَعِذْنِي مِنْ سُوءِ الرَّغْبَةِ، وَهَلَعِ أَهْلِ الْحِرْصِ، وَصَوِّرْ فِي قَلْبِي مِثَالَ مَا ادَّخَـرْتَ لِي مِنْ ثَوَابِـكَ، وَأَعْدَدْتَ لِخَصْمِي مِنْ جَزَائِكَ وَعِقَابِكَ، وَاجْعَلْ ذَلِكَ سَبَباً لِقَنَاعَتِي بِمَا قَضَيْتَ، وَثِقَتِي بِمَا تَخَيَّرْتَ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، إنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ) .
يبين الإمام خطوات للمقاومة شخصية واجتماعية حيث لا يمكن مقارعة الظلم ولايمكن سلوك هذه الخطوات الا بفضل الله العظيم الذي هو على كل شيء قدير.
يجب على الانسان مقاومة الظلم الذي لا يمكن رفعه في الدنيا وان كان الله اختار بالقضاء والقدر تأخير القضاء الى يوم الفصل وذلك حين مواجهة انواع الظلم من الطغاة الذين لا يمكن صدهم لقوة طغيانهم.
-النية الصادقة.
-صبر دائم.
-الإعتصام من سوء الرغبة والإستعاذة هي الإعتصام.
-الاعتصام من هلع اهل الحرص والحرص الرغبة المذمومة فأن الظلم سبب مباشر فيها.
-تصوير ثواب الآخرة للصابر.
-تصوير عقاب الخصم في الآخرة.
-القناعة بالقضاء بإرادة الله تعالى.
-الثقة بما اختاره الله لمصلحة عليا في عمله بأنه سوف يعود بالصالح على المجتمع بما فيه المظلوم
هناك لحظات يصعب عليك تحملها ربما تموت فيها مرارا ولكن كلها بعين الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ..
جميل ماقالوا: (عندما تشتكي إلى البشر ينتهي الحوار ب”الله يعينك" اختصرها من البداية واشتكي "لمن يعينك").
اضافةتعليق
التعليقات
الجزائر2019-03-23
2020-08-06