في تلك الأجواء الخانقة والظلام الدامس والأرواح الميتة، حيث لا يرحم الكبيرُ الصغيرَ ولا تتزلزل القلوب عند صراخ الطفلة تحت التراب، بل عندما كان يشتدّ الرجل غضبًا ويلعنُ حظَّه والدنيا معًا حين يُبشَّر بالأنثى، وُلِدت فاطمة لتنقذ العالم من الجهل والضلالة، وتكون راية بيضاء تقف في وجه الظالمين والقتلة ليكفّوا عن قتل بناتهم. لذلك، أقلّ حقّ من حقوق فاطمة (سلام الله عليها) سيدة نساء العالمين هو حقّ الحياة، حيث نساء المسلمين يدينون بأرواحهم لسيدة نساء العالمين، فلولاها لكانت جميعهنّ تحت التراب!
فاطمة مظهر الحق والنور، حيث نرى عظمتها منذ لحظة انعقادها. عندما أراد الله أن يهدي مريمَ تلك الهدية العظيمة (النبي عيسى عليه السلام) ليكون معجزة للناس، سيدة مريم سلام الله عليها اعتزلت مكانًا بعيدًا، فجاءها جبريل عليه السلام في صورة بشر، وأخبرها أنّه رسولٌ من الله، نفخ فيها من روح الله بأمره، فحملت بعيسى عليه السلام دون أب:
﴿فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾
ولكن الأمر يختلف تمامًا مع سيدة نساء العالمين سلام الله عليها، حيث إن النبي صلى الله عليه وآله انتقل إلى السماء وأتحفه الله بهذه العطية المباركة. روى الإمام الصادق عليه السلام:
«إنّ النبيَّ صلى الله عليه وآله أُسري به إلى السماء، فأكل من ثمار الجنة، فَتَحَوَّل ذلك نُطفةً في صُلبه، فَلَمّا هَبَطَ واقَعَ خديجةَ فَحَمَلَت بفاطمة».
السيدة فاطمة نورية، طاهرة، علوية النسب روحًا وجسدًا لأنها تكوّنت من ثمرة الجنّة، ولذلك يُقال في زيارتها:
«خُلِقْتِ من نور عَظَمَةِ الله».
الشيعة والسنة يتشاركون في وجود روايات تقول إن السيدة فاطمة تكوّنت من ثمرة من ثمار الجنة أُعطيت للنبي صلى الله عليه وآله ليلة المعراج أو ليلة الإسراء. وهذا يدل على طهارة الزهراء ونقائها، وأنّ أصلها نوراني غير دنيوي، لذلك تُسمّى في التراث:
الحوراء الإنسية،
تفّاحة الجنة،
الطهرة الزكية.
هي روح النبي وبضعته ومصدر سعادته، هي الكوثر، سبب الخيرات والبركات، أمّ الأئمة الأطهار، ومن كسرت لعنة المنافقين والمشركين وردّت عليهم كلامهم وشماتتهم حين كانوا ينعتون النبي صلى الله عليه وآله بـ “الأبتر”!
وما تكاملت النبوة لنبيّ حتى أقرّ بفضلها ومعرفتها، كما ورد عن مولانا الصادق عليه السلام.
امرأة بهذه العظمة عاشت زاهدة ورعة وقدّمت كل ما تملك لأجل نصرة الرسالة والولاية، وهي أسوة للناس أجمعين، وحجة على الخلق. وحبّها يعني حبّ الله، وبغضها بغض الله سبحانه وتعالى.
يا ترى ماذا نقدّم لهذه الطاهرة؟ وكم نتمسّك بعلمها ومعرفتها؟ وكم نقدّم لأجلها؟ حيث على معرفتها دارت القرون الأولى… وتدور الدنيا وما فيها… وفي الآخرة.
قال النبي صلى الله عليه وآله:
«يا سلمان! من أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومن أبغضها فهو في النار.
يا سلمان! حبّ فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن: الموت، والقبر، والميزان، والمحشر، والصراط، والمحاسبة.
فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيتُ عنه، ومن رضيتُ عنه رضي الله عنه، ومن غضبتْ عليه غضبتُ عليه، ومن غضبتُ عليه غضب الله عليه.
يا سلمان! ويلٌ لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين عليًّا، وويلٌ لمن يظلم ذريّتها وشيعتها».








اضافةتعليق
التعليقات