على الرغم من أن حوادث الطائرات نادرة الحدوث، إلا إنها تحظى في الغالب بتغطية إعلامية واسعة النطاق في حين يرى الكثيرون أن السفر جوًا شر لا بد منه، فإن البعض يعتبرونه عذابًا. فكيف يتغلب الناس على مخاوفهم من الطيران؟
وبالطبع مع تكرار مشاهدة الصور المؤثرة لحطام الطائرات والجثث المغطاة، يرتعد الكثير منا خوفًا من فكرة ركوب الطائرة.
ولكن يشير الخبراء إلى الإحصاءات التي تثبت أن الخوف من الطيران لا أساس له من الصحة، لأننا عرضة للموت في حوادث السيارات أكثر بكثير من حوادث الطائرات.
وبالفعل تبين الإحصاءات الخاصة بالسلامة الصادرة عن الاتحاد الدولي للنقل الجوي أن عدد المسافرين على متن الطائرات التجارية في عام 2015 تجاوز ثلاثة ونصف مليار مسافر. ولم تشهد هذه الفترة إلا 68 حادثة، أسفرت أربع حوادث منها عن مقتل 136 شخصًا، وارتفع عدد القتلى بعد حادثتي جيرمان وينغنز وميتروجيت إلى 510.
ولكن ذكرت منظمة الصحة العالمية أن عدد حوادت السيارات في العالم وصل في عام 2013 إلى مليون و25 ألف حادثة. وهذا يعني أن الانتقال بالسيارات أكثر خطورة 100 مرة من السفر بالطائرات. علمًا بأن أمراض القلب والسرطان هما الأكثر تهديدًا لحياة الإنسان.
ومع هذا، لا ينكر 17 في المئة من الأمريكيين أنهم يتهيبون ركوب الطائرات، (بحسب استطلاع للرأي أجرته شركة بوينغ سنة 2010)، فمنهم من يخشى تحطم الطائرة ومنهم من لا يتحمل الجلوس في مكان مغلق لا مهرب منه.
وبعض المشاهير أيضًا يخافون من ركوب الطائرات، مثل مخرج الأفلام ويس أندرسون، الذي يفضل السفر إلى أوروبا بحرًا.
وقد قيل أن كيت وينسلت، الممثلة الشهيرة، تستقل طائرة غير التي يستقلها زوجها، لكيلا يفقد أطفالهما أبويهما في آن واحد، في حال تحطم الطائرة.
يقول ماثيو برايس، أخصائي أمراض نفسية بجامعة فيرمونت، ويجري أبحاثًا عن اضطرابات القلق، إن بعض الناس يخافون من الطيران لأنهم لم يسبق لهم ركوب طائرة من قبل، أو لأنهم تعرضوا لتجارب سلبية سابقة ذات صلة بالطيران.
ويضيف: "ربما خاضوا هذه التجربة عندما كانوا على متن الطائرة، أو سمعوا عن حادث تحطم طائرة، أو ينتابهم القلق لمجرد وجودهم في مكان مغلق".
وقد يكون الخوف ناتجًا عن عوامل لا علاقة لها بالطيران، مثل ضغوط العمل أو صعوبات في الحياة الزوجية أو القلق على أحد أطفالك الذي تركته مريضًا في المنزل.
وربما تثير الإجراءات الأمنية في المطارات وعلى متن الطائرات القلق لدى الناس، مع أنها تهدف لحمايتهم. فالبعض تذكرهم إجراءات مكافحة الإرهاب بالمجرمين الذين قد يفجرون الطائرات، وتنبهنا مقاطع الفيديو التي تعرض قبل الإقلاع إلى أن تحطم الطائرات أمرٌ واقع. ولهذا ربما يتفادى الأشخاص المعرضون للإصابة بنوبات الذعر مشاهدة هذه المقاطع، وهذا خطأ.
يقول بور: "إن فرص نجاة من يضعون خطة مسبقة لكيفية الخروج من الطائرة، بعد مشاهدة تعليمات السلامة على الطائرة، أعلى بكثير من فرص نجاة من لا يشاهدونها، ولا يعرفون كيفية الخروج من الطائرة".
ويقول بور معقبًا: "توضح تعليمات السلامة أننا يجب أن نترك متعلقاتنا ونخرج سريعًا من الطائرة، ولكن في بعض الأحيان يتصرف الناس بغرابة عندما يواجهون الخطر الذي لم يكن في الحسبان".
ولحسن الحظ، فإن الخوف من ركوب الطائرة يمكن علاجه، وتوجد طرق عديدة للتعامل معه. ولكلٍ طريقته الخاصة في التعامل مع الخوف، فالبعض يضعون السماعات على أذنيهم.
ولكن ينصح برايس بتدريبات التنفس بعمق عن طريق استنشاق الهواء ببطء عبر الفم حتى تشعر بانتفاخ البطن، على أن يظل الصدر ثابتًا إلى حد ما، ثم إخراج الهواء ببطء عن طريق الأنف. ويضيف برايس: "وفي غضون ذلك، قد يفيد أيضًا في بعض الأحيان تكرار عبارات وكلمات تبعث على السكينة والطمأنينة مثل كلمة 'اهدأ'.
ويقول بور إن أحد الأساليب التي ربما تجدي نفعًا مع أولئك الذين لم يركبوا طائرة من قبل أو الذين ترتبط الطائرة في أذهانهم بتجارب سلبية سابقة، هو تعريفهم بكيفية عمل الطائرات، مثل كيف تقلع هذه الأجسام المعدنية الثقيلة وتحلق في الهواء؟ وكيف تحافظ أبراج المراقبة الجوية على وجود مسافة بين الطائرات وبعضها؟ ولماذ تحدث المطبات الهوائية؟
أما الطائفة الأخرى من الناس المعرضون للإصابة بالقلق، فقد يحتاجون للعلاج بالتننويم المغناطيسي أو علاج نفسي أو علاج سلوكي إدراكي. وهنا تكمن الفكرة في تحديد كيفية حدوث القلق وكيف يتراكم ويستمر وكيف يتطور أحيانًا إلى نوبات الذعر، والأهم من ذلك كيفية التعامل معه.
يمكن أن يتعرض الشخص تدريجيًا وبنظام لمراحل عديدة من الطيران مع طبيبه الخاص وقد يعالج هؤلاء أنفسهم بقراءة الكتب عن أساليب التعامل مع القلق أو في المقابل يستشيرون الطبيب. ويقول بور: "قد تحتاج لزيارة الطبيب مرة واحدة فقط، فهذا النوع من القلق يسهل علاجه، ولكن إذا أهملته قد يلازمك إلى الأبد".
ويوافق برايس وبور على أن خير وسيلة للتغلب على رهاب ركوب الطائرة هو التعرض لمسبب القلق على نحو خاضع للمراقبة.
فيمكن أن يتعرض الشخص تدريجيًا وبنظام لمراحل عديدة من الطيران، حسب المقولة الشهيرة 'واجه مخاوفك'، تحت رقابة طبيب متابع للحالة. وعادةّ، يلازمك المعالج على الطائرة ويتحدث إليك لتهدئتك.
وفي المقابل يمكن التعرض لمسبب الخوف من خلال الواقع الافتراضي، حيث تخوض تجربة ركوب الطائرة وأنت في مكانك. ولدينا الأن نظارات الواقع الافتراضي التي تحل محل أجهزة محاكاة الطيران، التي كانت تستخدم في الماضي.
وقد توصل برايس، من خلال تحليل العديد من الدراسات عن الواقع الافتراضي والطيران، إلى أن الواقع الافتراضي علاج ناجع بالفعل لرهاب الطيران. ويقول بور: "قد يكون من المفيد مثلًا أن يخوض المصاب برهاب الطيران تجربة الإقلاع لفترة أطول من المعتاد".
ومن الممكن أيضًا تغيير وقت السفر والطقس ومقعدك على الطائرة وحتى مزاج الطيارين، وهذا يتوقف على المسبب الأكبر للقلق.
وحين قرر ليوك جونسون، مراسل الشؤون التقنية بموقع "ويرابل"، أن يخوض تجربة العلاج بالواقع الافتراضي بمساعدة مايكل كارثي، أخصائي علاج حالات الرهاب، قام بوضع أجهزة الاستشعار البيومترية على أصابعه، لمراقبة مستويات القلق.
وكتب جونسون: "إن استخدام (نظارات الواقع الافتراضي) بشكل مقنّن يجعلها أكثر فعالية، لأنها تساعدك على أن تعيش تلك اللحظات التي تشعر فيها بالقلق، ولكن على مراحل وبطريقة هادفة، لكيلا تعتاد على الأوضاع الافتراضية إلى حد يجعلها عديمة التأثير".
وقد دُهِش جونسون عندما وجد أنه استطاع لاحقًا أن يسيطر على مخاوفة في رحلة على متن طائرة حقيقية أفضل من أي وقت مضى. وكتب جونسون: "كنت أتنفس ببطء وبعمق، والابتسامة لا تفارق وجهي، وكنت أجلس مسترخيًا مفرود القامة، ولم أشعر بالخوف قط".
إلا أن بعض الناس تغلبوا على مخاوفهم بأنفسهم، من دون مساعدة من أحد. فبعد أن نجا رجل الأعمال كلاي بيرسل من الموت عندما هبطت الطائرة التي كان على متنها اضطراريًا في نهر هدسون بنيويورك، استبد به الخوف من ركوب الطائرات.
ولكن هل تعلم كيف تغلب على مخاوفه؟ لقد أصبح طيارًا. بالطبع هذا الحل لا يصلح للجميع، ولكن ربما يتخذه بعض من يعانون من رهاب الطيران مثالًا يحتذى به.
اضافةتعليق
التعليقات