رغم طوفان التطور الصناعي الذي يكتسح العالم برمته, مازال الكثير من الفلاحين يمارسون عمل مهنة (الصاعود) أي امتطاء ظهر النخلة, إذ يكون غالباً مصدر رزقهم الوحيد, والمثير في الامر اذ انهم مازالوا يستعملون (التبلية) وهي الآلة البدائية المخضرمة التي تفرض وجودها لدى الكثير من أصحاب البساتين وحتى البيوت, الذين يزرعون النخيل حصرا, فهي آلة مخصصة لتسلق النخيل لإنجاز اعمالها وجني ثمارها (التمر) في مهنة الصاعود.
مهنة المخاطر
حدثنا الفلاح أبو عادل من سكنة قرية السوادة قائلا: أنا صاحب هذا البستان والمشرف على امور الفلاحة فيه, مع أبنائي وأولاد عمومتي, وكلنا نجيد صعود النخيل لإجراء ما يلزم من تكريب وتلقيح وقطف ثمار التمر حينما ينضج.
وأضاف: لم نستخدم يوما السلم لصعود النخلة فقد كان أبي (رحمه الله) صاعود ماهر في القرية وذو صيت معروف بعمله وخفة حركته حيث علمني كل ما يلزم لتجنب الوقوع او الارتباك حينما امتطي ظهر النخلة في آلة التبلية.
ومن أسباب حوادث السقوط من النخيل المرتبط بهذا العمل قال: هو ارتباك (الصاعود) وذلك إن رأى حشرة أو أفعى على جذع النخلة, أو سقط شيء في عينيه, أو اكتشف عيب ما في طريقة ربطه للتبلية, فيحاول اعادة ربطها وهو على ارتفاع غير قليل, وهذا يحتاج إلى مهارة كبيرة وشجاعة ايضا, وعدم ارتباك ليتمكن من السيطرة حتى لا يعرض حياته للخطر.
أجور زهيدة
ومن جانبه شاركنا الحديث قريبه الحاج ابو جواد قائلا: في السابق كانت هناك عوائل تتداول هذه المهنة بين افرادها لكسب رزقهم, وعلى رغم صعوبة هذه المهنة الا ان اجورها زهيدة جدا لا تضاهي خطورتها.
كما هناك من يصعد النخيل كهواية وليس عمل وخصوصا ان كانوا من اصحاب البستان مثلنا, كما بدأت هذه المهنة بالاندثار ببعض البساتين لاكتساح الحداثة بصناعة الآت بديلة لتجنب خطورة العمل بالتبلية.
كيفية صناعتها
وعن كيفية صناعة (التبلية) قال: تتكون التبلية من جزئيين, أولها السفينة وتتم صناعتها من ليف النخيل, وهي عبارة عن حبال من الليف مبرومة بعناية كبيرة ومحاكة بشكل دقيق, والجزء الاخر هو الطوق, يتكون من سلك معدني قوي ومتين ومتماسك بالسفينة من الجانبين, ويبدأ (صاعود) النخيل بتسلق النخلة بحركات متناسقة دقيقة، فيقدم جسمه صوب الجذع ليتمكن من نقل (زند التبلية) لـ (كربة) أخرى، مع ملاحظة رفع قدميه بالتعاقب بين (كربة) والتي تليها.
لم تجاريها التقنية
لاشك ان هناك عدة تساؤلات حول هذه الالة البدائية لعدم اندثارها ليومنا هذا, ولما لم تتطور هذه الالة بالشكل الذي يلائم روح العصر الحديث, فما زالت تمتاز بحضور لافت لكثرة استخدامها.
لقد اوضح اصحاب اختصاص هذا العمل واصحاب البساتين ايضا, بانه قد تم الاستعانة بآلة المكننة الزراعية ولكنها اصطدمت بعدة معوقات, اهمها حجمها الكبير فلا يمكن دخولها للبساتين بسهولة والعمل بحرية, إذ ان اشجار النخيل مغروسة بشكل غير منتظم وهذا ما يقيد عمل هذه الآلات كثيرا, بالإضافة إلى انها تعتبر بطيئة جدا بالمقارنة مع التبلية, فضلا عن وزنها الثقيل الذي يؤدي إلى ضغط التربة مما يتسبب في مشاكل كبيرة بالنسبة للنباتات في ارض البستان.
ويرى المزارعين أن التبلية الميكانيكية بدت تنتشر بشكل تدريجي, إلا أنها لن تنافس التبلية المصنوعة يدويا يوماً وسيبقى استخدامها دارج لدى الكثير, وان نجحت التبلية الميكانيكية ستكون داخل أطر ضيقة.
أصل التسمية
عجزت التكنولوجيا الحديثة عن منح التبلية تسمية أخرى من باب التغيير, فبقي اسمها لليوم كما كان عبر تاريخها الطويل, في المجتمع المحلي والقروي, وكأن تروس تكنلوجيا القرن الواحد والعشرون تكسرت امام هذا الارث الذي يمتد لعدة قرون, وبوفق ما يذكره المؤرخون بأن هذه المفردة أتت من البابليين وكانت تسمى لديهم (تابليو).
اضافةتعليق
التعليقات