تسعى العولمة بكل ما اوتيت من قوة ازالة الحواجز الجغرافية بين الدول والغاء جميع الخصوصيات الثقافية والقومية والتاريخية للشعوب وجعل العالم قرية صغيرة تدار عبر شاشات الحاسوب، ويصدر هذا المفهوم العام للعولمة لكي يقبل من قبل الشباب والامن الفكري.
البعض يوصفها حالة غاية الأهمية ثقافية واندماج حضاري يمثل حالة ثقافية في ولكن الموضوع لا يقف عند هذا الحد من البريق اللامع للمفهوم بل ان التأمل في خفايا العولمة ينطوي على ابعاد واستراتيجيات و اهداف مخفية يحاول من يقف ورائها السيطرة على المشهد الحضاري العالمي بكافة مفاصله ونواحيه وتعميم نوعاً مشوه من العالمية التي تصنع في مطابخ السياسة المظلمة دون مراعاة الخصوصية الثقافية والدينية والاجتماعية للشعوب والحضارات.
ومن ابرز وجوه العولمة الخداعة هي العولمة الثقافية التي يراد منها إشاعة النمط الثقافي والاجتماعي الرأسمالي بما في ذلك المأكل والملبس والمظهر الخارجي ويراها البعض بانها ابعد من ذلك كله وتكمن أهدافها في تعميم انموذج حضاري وتاريخي معولم يتم صناعته وفق برامج وايدولوجيات معينة وهي محاولة لمسخ جميع الخلفيات الحضارية والتاريخية للمجتمعات البشرية وصولاً الى تعميم مفاهيم مدلجة تخفي بين طياتها ابعاد جيوبولتكية ذات مضامين توسعية وسلطوية بامتياز. ويبقى السؤال المهم هنا اين دور وتأثير فئة الشباب من كل هذا الحراك الثقافي والمجتمعي الذي تحدثه العولمة من خلال برامجها وحركتها الافقية والراسية على حدا سواء ، وهنا يمكن القول ان فئة الشباب يقعون على راس هرم الأهداف المرسومة التي تستهدفها العولمة في برامجها وشعاراتها فالشباب يبحث عن كل ما هو جديد في عالم الحداثة والتقنيات والبرامج والتطبيقات وكل ما يصب في تقييم الذات والتعبير عن النفس وهذه مجالات حيوية يتم تسخيرها من قبل وسائل العولمة المتاحة.
وهنا تكمن الخطورة والمحذار الأهم في دس المفاهيم الثقافية في تلك المجالات التي غالبا ما تكون خافية مما يخلق فجوة ثقافية بين ما يؤمن به الشاب من ثوابت ومعتقدات ومنظومة قيمية وبين ما يتم الترويج له عبر هذا النوع من التعامل وبالتالي يحدث خلط وتشويش في مخيلة البعض مما يفتح المجال واسعاً امام الأفكار والثقافات الغريبة بعناوين وسياقات حديثة لا يراها فيها البعض انتهاك لخصوصيته الا بعد حين وبذلك تكون مثل هذه البرامج والسياسات في اخذت مأخذها على مستوى الفكر والثقافة والتعامل ، وقد يصبح مغادرتها او التخلي عنها امراً في غاية الصعوبة لكونها أصبحت جزءا من عناوين الحياة العامة ومظاهرتها الثقافية.
الشباب ومظاهر الثورة المعلوماتية
شهد مطلع الالفية الثالثة بروز ظاهرتين مهمتين جداً على مستوى العالم وهما انظمة الاتصالات اللاسلكية وتكنلوجيا المعلومات اللتين لهما الفضل الكبير في تغيير تفكير مجتمعاتنا المعاصرة واليهما يعزى زيادة معدلات الرفاهية والتقدم الاقتصادي العالمي ولم تكن حركة الفكر بعيدة عن تأثير هذين العاملين ، فقد أحدثت الثورة المعلوماتية اتساع الهوه بين الفقراء والاغنياء باختلاف توزيع الدخل بينهم فجعل عالمنا المتغير ما نحوه (۲۰) من دول العالم المتقدمة تمتلك ما نسبته (٨٥٪) من الناتج الاجمالي العالمي، مما جعل كل الامم والشعوب تتسابق في حفظ مكانتها وموقعها في ظل هذا العالم الجديد غير مبالية في واقعها الاجتماعي والاقتصادي على حداً سواء.
فكثير من مجريات عصر المعلوماتية ومميزاته غير لدى الكثير من الشباب لاسيما الفقراء والمعدمون منهم ، والذين يعيشون معروف في ظروف معيشية صعبة لا تمكنهم مع التعامل مع مجريات عالمنا الرقمي لأسباب عدة ابرزها ان اغلب ادوات هذا العالم مكلفة اقتصاديا فضلا عن لا يمتلكها اغلب هؤلاء السكان في الوقت نفسه انغمست التعامل معها يتطلب مهارة وقدرة تقنية عالية مما يجعلهم محجوبين عن مميزات هذه التقنية الجبارة.
العديد من فئات المجتمع الاكثر غناً في وسائل المعلوماتية بشكل كبير مما جعل الهوه المعرفية لهذه التقنية تتسع بين الفريقين اكثر فاكثر، فضلا عن ان صورة العالم المقبلة لا تعرض الا عن طريق هذه التقنية مما يجعل الكثيرون في غياب دائم عنها فقد ادت الثورة المعلوماتية ما عجزت عنه جميع الوسائل والطرق والثورات البشرية التي سبقتها في استيعاب جميع مفاصل المجتمع بكل دقائقه وشؤونه مما جعلها تمثل الصورة الحقيقية للمجتمع الإنساني المعاصر فاصبح لكل مؤشر بعدا رقمياً هو الذي يمثله في مكونات هذه الثورة وكل مؤشر لا يمكن قياسه رقمياً ليس له مكان في هذا العالم بما في ذلك الأمور غير المحسوسة التي بدأ التشكيك في وجودها وارادوا في مفاهيم تلك الثورة مما قد تلغي أي بعد معنوي للظواهر والمتغيرات وتربط العالم بمكوناته المادية فقط دون غيرها .
وهنا تكمن الخطورة الحقيقية لهذه الثورة المادية التي تتمايز بعناصرها المعنوية البارزة متناسية العديد من الابعاد المعنوية ذات التأثير المباشر في حياة الانسان وفلسفة وجوده في هذه الخليقة ، بل اعتبر انصار هذه الثورة ان لا يمكن الركون للأمور التي لا تقاس بمؤشرات إحصائية أو رقمية بحتة ؟ والأغرب من ذلك هو ذلك التوجه الحثيث نحو خلق جيل من البرمجيين لا يؤمن الا بالمادة دون غيرها وبالملموس دون المحسوس؟ ويصار الى ربط جميع خدمات واحتياجات السكان من متطلبات وسلع وبضائع بهذا المضمون المعلوماتي الخالص، مما قد يسهم في خلق رؤية مجردة عن المعنويات وبعيدة عن شعور المنطق البشري والميل والإلكترون كونه المحرك الأساس لهذه الثورة بأبعادها كافة.
الامن الفكري الرقمي وابعاده المعاصرة
ليس غريبا في عالم تقوده الوسائل التكنلوجية ان يكون الامن الكترونيا والتعليم الكترونيا والصحة الكترونية والسياسة الكترونية والسفر الكتروني والزواج الكتروني والحضارة برمتها الكترونية، لان التكنلوجيا الرقمية دخلت في كل شيء ووظفت مفاهيم الأشياء الكترونياً وأصبح العالم يوشك ان يدار بأنظمة الكترونية متطورة كالحواسيب والانترنت وساد مفهوم (انترنت الأشياء) بشكل سريع ومقبول من قبل مختلف جهات العالم المتحضرة والاقل تحضراً على حدا سواء .
وهذه الحقيقة باتت هي الخيار المسيطر على تفكير الشركات الاستثمارية ومكاتب الاعمال ودخلت في بناء استراتيجيات الدول وخططها المستقبلية لكي تساير حركة الواقع الافتراضي الذي نعيشه بكل تفاصليه ، وليس غريباً ان تدخل مفردات امننا الفكري والثقافي هذا المعترك وبسهولة وبات ما يعرف بالامن السبراني هو الامن الحقيقي للدول اكثر من الامن العسكري والحربي وما تمتلكه الدولة من ذخيرة وبنية تحتية عسكرية؟ واصبح الامن في ظل الثورة المعلوماتية - الرقمية مقدار ما تمتلكه الدولة من انظمه اتصال وبرامجيات ذكية تدار من خلالها أجهزة الدولة.
فيعرف الامن السبراني على انه مجموعة من الإجراءات التي تتخذها اجهزة الامن في الدولة للمحافظة على نوعية المعلومات والبيانات الرقمية التي تخص امن وسلامة الدولة ومنع الاختراقات الحاسوبية للوصول اليها من اجل تداولها بين الأجهزة المختصة بسلامة ويسر دون الحصول عليها من قبل جهات معادية او وعملية غريبة عن الدولة ويتطلب توفر امن سيبراني متطور مواكبة لجميع التقانات والبرامجيات والتطبيقات التي من شأنها رفع كفاءة المنظومات الخاصة بالاتصالات وسبل وقايتها من الغزو الالكتروني والحروب الرقمية التي تتعرض لها منظومات دول العالم .
فالأمن الفكري للمجتمع جزءا لا يتجزأ من منظومة الامن العام للدولة والمجتمع وهو كذلك عرضة لعمليات الانتهاكات والعبث من قبل المغرضين وتكمن صور التعرض للأمن الفكري من ناحيتين الأولى الاختراق الالكتروني لمنظومة الامن الشخصي او العام وتعريض منظومة امن الافراد الشخصية الى الاختراق وسرقه محتوياتها من ملفات وبيانات شخصية قد تكون سريه في الكثير من الأحيان ويسمى هذا النوع من الاعتداء هو الابتزاز الالكتروني والذي يترتب علية طلب فدية أو أموال او أمور معنوية أخرى، اما الصورة العامة للاعتداء على الأمن الفكري للفرد او المجتمع هو إشاعة المحتوى الثقافي والفكري الهابط والمسي للحياء والذوق العام والبعيد عن روح المسؤولية المجتمعية والأخلاقية مما يعرض المنظومة المجتمعية بأكملها للعبث والتخريب من خلال نشر محتوى يتنافى وسلوكيات المجتمع وعاداته.
اضافةتعليق
التعليقات