ربانا آباؤنا بنوايا حسنة على أن ننسجم مع إخواننا وأخواتنا، وأن نتخذ الكثير من الأصدقاء، وأن ننمي شخصياتنا لنكون أسوياء، مقبولين اجتماعيا، وفي الأغلب، هم لم يهيئونا لكي نكون شخصیات عديمة الطعم، أو لطيفة بشكل مبالغ فيه، ولكن لكي نكون شخصيات واعية لمشاعر الآخرين، وأن نكون دائما في عون المحتاجين.
يجب علينا الاعتراف أولا بأن ليس كل شيء سيئ في كوننا لطفاء، فمن جانب، فهذا يعني إننا حساسون لاحتياجات الأسرة والأصدقاء، وعلماء النفس يؤكدون أن الذين يراعون مشاعر الغير يكونون بصحة جيدة وسعادة أكبر من الأنانيين ومن جانب آخر، تحمينا اللطافة من النقد والإحراج والرفض بالإضافة لذلك، فإن مراعاة شعور الآخرين ومجاملتهم تمهد الطريق لابتكار مجتمع أكبر إنسانية، وتساعد في جعل العالم أكثر تحضرا وحيوية.
مشكلة اللطافة أن لها بعض النتائج السلبية تكلفنا بعض الشيء فالخطآن الأول والثاني مرتبطان ببعضهما، محاولة أن نكون كاملين، ونتحمل ما لا نطيق، فمن باب هو كظم الغيظ ولكن في النهاية قد يؤديان إلى الإنهاك، بالإضافة إلى أنهما الأصعب بين باقي الأخطاء، والحاجة الداخلية لفعلهما تؤدي بنا إلى حد ارتكاب الأخطاء السبعة الأخرى، وإذا توقفنا عن فعل هذين الخطأين سيكون لدينا طاقة أكبر للتعامل مع الأخطاء الأخرى.
أما الأخطاء التالية تكلفنا الكثير من سلامة أنفسنا حيث نفقد الاتصال مع جوانبنا العاطفية وهي الهامة في تفاعلنا مع الآخرين ولكن عندما تتعارض مشاعرنا مع صفة اللطافة لدينا نقوم بكبت هذه المشاعر ونحن فعليا هنا نعلم أنفسنا ألا نشعر. فندفع مشاعرنا نحو أعماق أنفسنا، في مكان غير صحيح، هذه المشاعر ممكن أن تتفجر. أما الأخطاء الأخيرة تعمل على إفساد مصالح من نهتم بمساعدتهم غالبا ما نجعل مشاكلهم أسوأ مما هي عليه، حيث لا تخلو سلوكياتنا من محاولات لاشعورية للتحكم في الآخرين بينما نبدو في الشكل طيبين.
نحن في الأصل تبنينا هذه السلوكيات التسعة لنكون مقبولين اجتماعيا ولتجنب الألم الوجداني، ولنساعد المحتاجين، إن الانهماك في هذه السلوكيات يشعرنا بالبهجة من أنفسنا، لكننا لا ندرك عواقبها في بعض الأحيان التغييرات التي يتحدث عنها الكتاب لا تتطلب أن نتوقف عن التصرف بلطافة لكنها بالعكس تتطلب منا تأكيد قيمة نوايانا الحسنة ومقاييس المجتمع تدعونا للموازنة بين صفة اللطف وبين المصداقية فلكي نقوم بهذه التغييرات علينا أن نتعلم أن ننظر لأنفسنا بوجهة نظر جديدة، وأن نتعامل مع مشاعرنا بطريقة مباشرة وحساسة وأن معاونة الآخرين تكون بطريقة تحترم حريتهم بتقديم الحاجة الحقيقية التي يطلبونها.
كما أن فهم النزعة إلى الكمال على أنها نزعة اجتماعية مهم جداً لكي نتوصل إلى التخلي عن النزعة الكمالية ينبغي علينا أن نعلم أننا اجتماعيون بطبيعتنا، وأن هذه النزعة هي مسـألة اجتماعيـة فنحـن اجتماعيون لأننـا نستطيع إظهار جوانـب هـامـة مـن شخصياتنا فقـط مـن خلال العلاقة بالآخرين نعـم نحن شخصيات فرديـة ولكننـا لا يمكن أن نكون أصحاء إذا انعزلنا والنفس الصحيحة هي النفس المندمجة في الجماعة (مثل العمل الجماعي) فإحساس الرضا الذاتي الناتج من مشاركة الآخرين في العمل هو ما يجعلنا نشعر بأن العمـل كاملاً فإذا لم يسمع بهذا العمـل الآخرون فذلك يشعرك بالوحدة وبالنقـص كذلك نحـن اجتماعيون فـي أننا نتأثر بالآخرين. فنحن عبارة عن مجموع ديناميكي مؤلف من جميـع مـن لامسوا حياتنا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة سلبا أم إيجابا، نحن أيضا اجتماعيون في أننا لا نصنع أنفسنا، أسرنا وأصدقاؤنا والعالم أوسع هم من علمونا أن نصبح أشخاصا نستمر في استخدام المعايير التي لولاها لما اسـتطعنا أن ندرك ما ينبغي علينا أن نتوقعه من أنفسنا من هنا تنشأ النزعة إلى الكمال. فنحـن نجتهد لنكون كاملين لنفـي بالمعايير التي وضعهـا لنا الآخرون، والآخرون هم كل من هؤلاء الذين يمكنوننا من إتمام حياتنا من خلال علاقاتنا بهم.
الآخرون هم كل من هؤلاء الذين يمكنوننا من إتمام حياتنا من خلال علاقاتنا بهؤلاء الذين يسكنون بداخلنا من خلال تأثيرهم علينا، وهؤلاء الذين نرتبط بهم بطريقة لا فرار منهـا بوصـفه بشـر وفي النهاية فإن محاولة أن نكون كامليـن هي محاولة اجتماعية لاشعورية لإرضاء أنفسنا عن طريق إرضاء أولئك الآخرين نزعة الكمال والقبول الاجتماعي.
إن القوة الاجتماعية التي تقود نزعاتنا الكمالية هي ما يجب أن نتحرر منها لنكون مقبولين ولأننا تدربنا على أن نكون لطفاء فإن هذه الحاجة تسيطر علينا في كل لحظة من وعينا مما يجعلنا نعمل بطريقة تجعل الآخرين يحبوننا ولا يفرطون فينا. وبدلاً من أن نتعلم كيف نتقبل أنفسنا، فإننا تدربنا على أن نجعل أنفسنا مقبولين من المجتمع، وعندما نفشل في ذلك نعاني من الداخل فالتقبل الذاتي هو العلاج الأول الذي يسير بقية تعاملاتنا مع المجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات