مر بنا أن الإمام الباقر (عليه السلام) كان يُعنى في مدرسته بتدريس علوم أخرى عدا القرآن والحديث، كالتاريخ والجغرافيا والطب. أما في ما يتعلق بالطب، فهناك روايتان مختلفتان، تذهب الأولى إلى تأكيد تدريسه له، في حين أن الثانية تنسب تدريسه إلى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وأيا كان الأمر، فليس ثمة شك في أن الإمام جعفراً الصادق (عليه السلام) كان ملماً بالطب، وكان يلقي دروساً فيه، أفاد منها كثير من الأطباء والباحثين والمرضى في القرنين الثالث والرابع.
ومن نظرياته التي انتفع بها الأطباء في عصره وبعد وفاته، رأيه في إمكان تنشيط الدورة الدموية عند حدوث سكتة مفاجئة أو توقف مؤقت، حتى ولو ظهرت على المريض إمارات الموت أو علامات شبيهة بعلامات الموتى وقد يُعيد الحياة إلى مريض بقطع وريد بين أصابع يده اليسرى إسالة للدم منه.
سبق القول بأننا نفتقر إلى شواهد تؤكد أن الإمام محمداً الباقر كان يدرس الطب، ولكننا واثقون من أن جعفر الصادق (عليه السلام) درس علوم الطب في مدرسته، وكانت له فيها آراء ونظريات لم يسبقه إليها أحد في الشرق، ولا يقصد بالشرق هنا شبه الجزيرة العربية، إذ هي لم تعرف مدارس الطب، اللهم إلا الذي عرف عن العرب في هذا الميدان قبل الإسلام، من أن بعضاً منهم درس الطب أو غيره من العلوم في جنديسابور، بفارس ومنهم النضر بن الحارث الذي عاصر الرسول (صلى الله عليه وآله)، وكان له موقف في معارضة الدعوة الإسلامية.
فإن قيل إن جعفر الصادق (عليه السلام) تعلم في مدرسة أبيه محمد الباقر، وأخذ الطب وسائر العلوم عن أبيه، فمن أين استقى الإمام الباقر (عليه السلام) هذه العلوم؟
مر بنا أن الهندسة والجغرافيا انتقلا من مصر إلى المدينة المنورة، على أيدي أقباط مصر، أما الطب فلم تكن له عند العرب مدرسة قبل الإسلام، في حين أن مصر وفارس عرفتا مدارس شهيرة للطب.
ولا يستبعد أن يكون هذا العلم قد انتقل بدوره من الفرس أو القبط، يؤكد ذلك في أن في طب الصادق آراء ومسائل وردت في تاريخ الطب عند الفرس. فالطب في القديم لم يكن حكراً لقوم دون آخرين، وإنما كانت هناك شعوب كثيرة كالإغريق والقبط والفرس تعنى بتطور أساليب العلاج والتطبيب بالعقاقير.
وكانت مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) في الطب أول مدرسة تؤسس في الإسلام في شبه الجزيرة العربية، ولم تكن للعرب يومذاك عناية بالعلاج أو الوقاية، فمن اجتاز منهم أمراض الطفولة قل من أن يمرض طول حياته، نظراً لصلابة أجسامهم وقوة احتمالهم لقساوة البيئة في البادية، فإن مرض في كبره، تركوه عند الآلهة حتى يشفى أو يموت.
والقواعد العامة لعلم الطب التي كانت تتداول وتُدرس في مختلف المدارس هي قواعد متشابهة، غير أننا نرى في مدرسة جعفر الصادق (عليه السلام) ما لا نراه في مدرسة قبلها، مما يدل على أنه هو المستنبط لهذه القواعد والواضع لهذه النظريات.
اضافةتعليق
التعليقات