هو جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام بن كعب الانصاري السلمي يكنى أبا عبدالله. ولد جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاري سنة 16 قبل الهجرة النبوية، شخصية عظيمة عرفت بانتمائها العميق لال البيت (عليهم السلام) روي عنه الكثير من الاحاديث والادعية التي سمعها من رسول الله واهل البيت، وفقيه مشهور وابن احد النقباء الاثنى عشر من أهل المدينة الذين كلمهم النبي (ص) في مكة وعرض عليهم الإسلام ودعاهم إليه فآمنوا به وعينهم الرسول الكريم نقباء على أهل المدينة. وصَحِبَ الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السَّلام) وشهد معه وقعة صِفِّين، وكان من شرطة خميسه.
شهد بيعة العقبة وروي عنه انه قال: غزا رسول الله (ص) إحدى وعشرين غزوة بنفسه شهدت منها تسع عشرة غزوة، وشهد مع أمير المؤمنين (ع) الجمل وصفين والنهروان. وصَحِبَ كذلك كل من الإمام الحسن بن علي، والإمام الحسين بن علي، والإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليهم السلام)، وأدرك الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام) أيضاً، إلاّ أنّه توفّي قبل إمامته.
وهو اول من استقبل النبي (ص) عند قدومه المدينة وآزره ونصره في المعارك، وكان من رفقاء سلمان المحمدي وعمار ابن ياسر وأبي ذر وأمثالهم من النخبة الخيرة التي كانت قريبة من الرسول.
فكان جابر يشارك في محافل العلم، ويدون ما يسمعه، فقد تعلم من الرسول بعض الاسرار الالهية، والكرامات المحمدية، حتى انه كان يجالس الرسول ويحدثه، وهناك حديث ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بشره ان يعيش حتى يلحق بالامام الباقر (ع) فحمله رسالة السلام الى ولده الباقر. وقرأ عليه أسماء الائمة الاثنى عشر في كتاب خاص .
وعرف عنه المودة والقربى للحسين (ع) وكان النبي (ص) اذا حمل الحسين وجاء جابر ورآه الحسين (ع) يرمي بنفسه عليه وكان يقال جابر حبيب الحسين (ع).
جابر الانصاري والحديث عن كربلاء
ولما اراد الحسين (ع) الخروج من مكة دخل عليه جابر وقد كبر به السن وكف بصره فقال له: سيدي ان اهل الكوفة قد عرفت غدرهم بابيك واخيك فقال (ع): يا عم يا جابر ان تكليفي من الله غير تكليف أخي الحسن (ع) ولو كان أخي الحسن عنده أربعين رجلا لما صالح معاوية وها انذا ما ينوف على الأربعين غير الذين يلحقون بي فجعل جابر يبكي ويقول: سيدي بحق جدك الا عدلت عن هذه الوجهة. فلما رأى تصميم الامام على الخروج ودعه ودموعه تسيل فلما خرج الحسين (ع) من مكة خرج جابر الى البصرة جعل يبكي كل يوم يخرج فيه خارج البصرة ويسأل القادمين عن احوال الحسين (ع) حتى استخبر بقتل الحسين (ع) فجعل يلطم ويبكي فلما اصبح تجهز للمسير الى كربلاء لزيارة قبر الحسين (ع) ومعه جماعة من بني هاشم والاعمش بن عطية .
مواقف جابر الانصاري ..
كان جابر متوكّئاً على عصاه وهو يدور في سكك الأنصار ومجالسهم، وهو يقول: (عليّ خير البشر، فمن أبي فقد كفر، يا معشر الأنصار! أدّبوا أولادكم على حبّ عليّ، فمن أبى فانظروا في شأن اُمّه).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان رجلاً منقطعاً إلينا أهلَ البيت. وان جابر الانصاري لم ينصر عثمان في فتنته.
جابر الانصاري ورجوع السبايا
قال الأعمش بن عطية الكوفي: خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري زائراً قبر الحسين {عليه السلام}، فلما ورد كربلاء دنا من شاطئ الفرات فاغتسل، ثم خرج وقد ائتزر بإزار وارتدى بآخر، ثم فتح صرة فيها سعد فنثرها على بدنه، ثم مشى إلى القبر الشريف حافياً، وكان لايخطو خطوة الا وذكر الله تعالى فيها، حتى إذا دنا من القبر الشريف، قال: المسنية يا ابن عطية. قال: فألمسته القبر، فخر على القبر، مغشياً عليه، فرششت عليه الماء، فلما أفاق صاح: يا حسين يا حسين حتى قالها ثلاثاً، ثم قال: حبيب لا يجيب حبيبه، ثم قال: وأنى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على أثباجك، وفرق بين رأسك وبدنك، أشهد انك ابن سيد النبيين، وابن سيد الوصيين، وابن حليف التقى وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيد النقباء، وابن فاطمة الزهراء سيدة النساء، وكيف لا تكون هكذا وقد غذتك كف سيد المرسلين وربيت في حجور المتقين، ورضعت من ثدي الإيمان، وفطمت بالإسلام، فطبت حيّاً وطبت ميتاً، غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة لفراقك، ولا شاكة في حياتك، فعليك سلام الله ورضوانه، اشهد انك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا .
ثم أجال ببصره نحو القبور، قبور الشهداء وقال: {السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلت بفناء قبر الحسين {عليه السلام}: وأناخت برحله، أشهد أنكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين، والذي بعث محمداً بالحق لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه .
قال ابن عطية: فقلت لجابر: فكيف تقول ذلك ونحن لم نهبط وادياً ولم نعل جبلاً ولم نضرب بسيف، والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم، واوتمت أولادهم، وأرملت أزواجهم؟ فقال لي: يابن عطية سمعت حبيبي رسول الله يقول: من أحب قوماً حشر معهم، ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم، والذي بعث محمداً بالحق إن نيتي ونية أصحابي على مضى عليه الحسين وأصحابه، ثم قال: خذوني نحو أبيات كوفان .
قال ابن عطية: فلما صرنا في بعض الطريق فقال لي: يابن عطية هل أوصيك وما أظن أنني بعد هذا السفر ملاقيك، أحب محب آل محمد صلى الله عليه واله وسلم، على ما أحبهم وأبغض مبغض آل محمد على ما أبغضهم، وإن كان صوّاماً قوّاماً، وأرفق بمحب آل محمد {صلى الله عليه واله وسلم}، فإنه إن تزل قدم بكثر ذنوبهم، ثبتت أخرى بمحبتهم، فإن محبهم يعود إلى الجنة ومبغضهم يعود إلى النار.
ويروى في بعض المقاتل، قال ابن عطية: بينما نحن بالكلام وإذا بسواد قد أقبل علينا ومن ناحية الشام، قفلت: يا جابر إني أرى سواداً عظيماً مقبلاً عيلنا من ناحية الشام، فالتفت جابر إلى غلامه، وقال له: انطلق وانظر ما هذا السواد، فإن كانوا من أصحاب عبيد الله بن زياد ارجع إلينا حتى نلتجئ إلى مكان، وان كان هذا سيدي ومولاي زين العابدين أنت حر لوجه الله. فانطلق الغلام الى أن رجع إلينا وهو يلطم وجهه وينادي: قم يا جابر واستقبل حرم الله وحرم رسول الله {صلى الله عليه واله وسلم}، فهذا سيدي ومولاي علي بن الحسين (عليه السلام)، قد أقبل بعماته وأخواته ليجددوا العهد بزيارة الحسين {عليه السلام}.
فقام جابر ومن معه واستقبلوهم بصراخ وعويل، يكاد الصخر أن يتصدع منه، ولما دنا من الإمام انكب على قدميه يقبلهما وهو يقول: سيدي عظم الله لك الأجر بمصاب أبيك الحسين، وعظم الله لك الأجر بعمومتك وإخوتك. فقال الإمام {عليه السلام}: أنت جابر؟ قال: نعم سيدي أنا جابر، فقال {عليه السلام}: "يا جابر هاهنا ذبحت أطفال أبي، هنا رأيت أبي في التراب معفرا وصحبه حوله صرعى على الترب".
توفّي جابر (رضوان الله عليه) عام 78 هـ بالمدينة المنوّرة، وهو في الرابعة والتسعين من عمره، وكان (رضوان الله عليه) آخر مَن بَقي من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فسلام الله عليه وعلى روحه وجسده وسلم تسليما كثيرا.
المصادر: «اللهوف في قتلى الطفوف/ كامل الزيارات: أُنظر: اللهوف في قتلى الطفوف» مصباح الزائر ص 286. » (5).
اضافةتعليق
التعليقات