بات داء السكري أحد التحديات الصحية الكبرى التي تهدد ملايين البشر حول العالم، فما بين ارتفاع أعداد المصابين وتأخر التشخيص في كثير من الحالات، وما ينجم عنه من مضاعفات تؤثّر ليس فقط على الحياة اليومية، بل على كلفة الرعاية الصحية، بات لزامًا تسليط الضوء على هذه الحالة المرضية من زوايا متعددة؛ طبية، اجتماعية، اقتصادية وإنسانية.
وفي اليوم العالمي للسكري، يسلّط موقع "بشرى حياة" الضوء على مخاطر مرض السكري وتشخيصه، والتعرّف إلى واقع الأشخاص الذين يعيشون معه، وكيف يمكن للمجتمعات مواجهة هذا الخطر المتنامي.
حالة وقتية
كانت بدايتنا مع السيدة أم مؤمل، التي استرسلت قائلة:
"لقد كان كابوسًا مرعبًا وصدمة غير متوقعة، حينما لازمني العطش المستمر وجفاف شفتيّ الدائم ودخولي إلى المرحاض باستمرار. بدأت بالتقصي عن الحالة لأكتشف أنني مصابة بالسكري".
وأضافت: "دخلت في نوبة حزن لا توصف، وبدأت بمراجعة طبيب مختص لمتابعة الحالة وأخذ العلاج المناسب، ووضع برنامج غذائي لتحجيم الحالة وتخطيها. وبعد ثلاثة شهور أجريت فحوصات مكثفة لأكتشف أن السكري قد يكون حالة وقتية بحسب قول الأخصائيين، لكنه يحتاج إلى متابعة وتغذية سليمة ويعتمد بدرجة أولى على الحالة النفسية".
وتابعت: "الآن وبعد مرور سنة، استطعتُ السيطرة على المرض دون أخذ أي علاج، ولكن بمتابعة دؤوبة لقياس نسبته بين فترة وأخرى، والحفاظ على وزن مناسب، والابتعاد عن أي ضغط عصبي أو نفسي".
مرض وراثي
وتحدثت السيدة حنان، والدة الطفلة فواطم علي، عن حالة ابنتها قائلة:
"كان عمر ابنتي سبعة أشهر حينما انتابتها حالة إغماء مفاجئ. هرعتُ بها إلى المشفى، وأكد لي الطبيب المختص أنها نوبة سكري متقدمة تستدعي إعطاءها محاليل خاصة لانخفاض درجته لاستعادة وعيها".
وبحزن بالغ تابعت: "بعد أن تعافت ابنتي، ظننتُ أن المرض وقتي، غير أنه أصبح مزمنًا. وأكد طبيبها المعالج أنه وراثي، فقد كانت أمي وأخي ـ رحمهما الله ـ مصابين بالمرض نفسه، فضلًا عن إصابة أبي به. إلى هنا تقبّلت الأمر فهو قدر الله ولا اعتراض عليه، إلا أن الصدمة كانت حينما أصيب ابني الوحيد به أيضًا بعمر خمس سنوات، ثم تطور الأمر لأجد نفسي أعاني من المرض نفسه مؤخرًا".
الحرمان الغذائي
أما الحاجة أم ياسر، فقد عانت من الحرمان الغذائي طيلة فترة إصابتها بالسكري، والذي أصابها في عقدها الخمسين؛ إذ كانت ابنتها تواجه صعوبة في تجهيز الطعام الخاص لها، وكانت الأم ترفض تناوله معللةً ذلك بأنها لا تتحمل "صراع الحرمان".
حالة استنفار
وتعيش السيدة أمل رميض ـ وهي موظفة ـ حالة استنفار دائم في تجهيز طعام مناسب لابنها وزوجها بسبب وضعهما الصحي. غير أن ابنها كان يباغتها بتناول الشوكولاتة التي تتسبب له دائمًا بنوبات سكري، حتى في المدرسة، فضلًا عن دخوله المستمر إلى دورة المياه.
وتضيف بألم: "أنا حزينة جدًا لوضع ابني؛ فهو لا يعيش طفولته كباقي أقرانه في تناول الحلويات والسكاكر وغيرها. أشعر أنه يعيش حرمانًا غذائيًا مبكرًا يفوق قدراته العقلية، فهو ما يزال صغيرًا على تحمّل عبء هذا المرض الخطير".
وقفة طبية
وكانت لنا وقفة طبية مع الدكتورة رولا علي حسان، اختصاص أمراض الغدد والسكري والباطنية العامة، التي حدثتنا قائلة:
"يعد داء السكري مرضًا مزمنًا بسبب أن البنكرياس لا ينتج ما يكفي من الأنسولين، أو لا تستجيب خلايا الدم بشكل طبيعي للأنسولين، مما ينتج عنه ارتفاع بمستويات الجلوكوز في الدم (سكر الدم)، وهو ما يؤدي مع مرور الوقت إلى أضرار خطيرة على القلب والأوعية الدموية والعينين والكلى والأعصاب. والأنسولين هو هرمون منظّم لمستوى السكر في الدم تنتجه خلايا البنكرياس.
وفي عام 2019 كان هناك ما يقرب من 463 مليون شخص بالغ (20–79 سنة) مصابين بداء السكري، وبحلول عام 2045 سيرتفع هذا العدد إلى 700 مليون نسمة".
أسباب المرض
وأضافت: "تختلف أسباب مرض السكري حسب نوعه، ويتمثل النوع الأول بأسباب غير معروفة تمامًا، لكن توجد عوامل مرتبطة بالإصابة به مثل مهاجمة خلايا المناعة لخلايا البنكرياس المنتجة للإنسولين وتدميرها، أو العوامل الجينية، أو تحفيز جهاز المناعة من قبل فيروس معين يقوم بمهاجمة خلايا البنكرياس".
"أما أسباب النوع الثاني فمرتبطة عادةً بالجينات والعوامل البيئية معًا كأسلوب حياة المريض، وتكون الفئات التالية أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري: زيادة الوزن، التقدم بالعمر (أكثر من 45 سنة)، وجود إصابة بالسكري في العائلة، الخمول وقلة الحركة، الإصابة بسكري الحمل مسبقًا، أو الإصابة بارتفاع ضغط الدم أو الكوليسترول أو الدهون الثلاثية".
وبيّنت حسان أنه "في تسعينيات القرن الماضي كان معظم الأطفال المصابين بالسكري يعانون من النوع الأول، لكن في أيامنا هذه، ولأن أغلب الأطفال يعانون من البدانة، جرى مؤخرًا تشخيص السكري من النوع الثاني لدى نحو ثلث الأطفال المصابين".
الوقاية من داء السكري
وتابعت: "تتمثل الوقاية للبالغين باتباع أسلوب حياة صحي من خلال العمل على فقدان الوزن للوصول إلى الوزن المثالي والحفاظ عليه، والمداومة على النشاط البدني، واتباع نظام غذائي صحي متوازن، وتجنب مسببات الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية والضغط النفسي والقلق".
"أما الأطفال، فيجب تشجيعهم على تناول الطعام الصحي في البيت والمدرسة، والحد من تناول الوجبات السريعة، وحثهم على الحركة المستمرة وعدم الجلوس لفترات طويلة".
السكري الحملي
وفيما يخص داء السكري الحملي، استرسلت قائلة:
"يظهر خلال فترة الحمل ويختفي عادة بعد الولادة. ويتم الكشف عنه في الثلث الثاني من الحمل، ومن الممكن علاجه بالنظام الغذائي أو الأدوية الفموية أو الأنسولين، ويعتمد ذلك على حدة الداء".
وأضافت: "كما أن له أثرًا على الطفل؛ فقد يسبب زيادة وزن الطفل عند الولادة، والولادة المبكرة، وصعوبات خطيرة في التنفس، وانخفاض نسبة السكر في دم الطفل بعد الولادة، إضافة إلى احتمالية إصابته بالسمنة والسكري من النوع الثاني لاحقًا، أو حتى وفاة الطفل".
تأثير السكري على الحمل والإنجاب
"تعد معدلات الحمل عند مريضات السكري أقل من غيرهن، ويعود ذلك إلى الخلل الذي يسببه المرض في وظيفة الجهاز التناسلي للمرأة، مثل تأخر الحيض، وزيادة عدم انتظام الدورة الشهرية، وتأخر الإباضة. لكن لوحظ أن معدلات الحمل تقترب من الطبيعية إذا كان السكري بلا مضاعفات. ولهذا فإن العديد من مريضات السكري يمكنهن الحمل إذا كان المرض مسيطرًا عليه جيدًا وكان وزن الجسم قريبًا من الوزن المثالي".
وختمت حديثها: "مرض السكري من الأمراض الشائعة بشكل كبير، ويجب على كل مريض إجراء التغييرات الضرورية في نمط حياته بجانب تناول الأدوية التي يصفها الطبيب بمجرد تشخيص الإصابة، سواء بالنوع الأول أو الثاني".
اليوم العالمي للسكري
يُحتفل باليوم العالمي لمرضى السكري في 14 نوفمبر من كل عام. وتم إطلاق هذا اليوم في عام 1991 من قِبل الاتحاد الدولي للسكري (IDF) ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، استجابةً للقلق المتزايد تجاه انتشار السكري وتأثيراته الصحية والاقتصادية الكبيرة.
ثم أصبح يومًا معترفًا به رسميًا من قبل الأمم المتحدة عام 2006، وجرى اختيار 14 نوفمبر لأنه يوافق ذكرى ميلاد سير فريدريك بانتينغ، أحد مكتشفي الإنسولين الذي غيّر مسار علاج السكري في تاريخ الطب.








اضافةتعليق
التعليقات