يبقى التسامح هو النبض الإنساني الذي يعيد للقلوب توازنها، وللمجتمعات تماسكها، وبين صخب الخلافات وتعدد الآراء، يطلّ اليوم العالمي للتسامح ليذكرنا بأن الاختلاف لا يعني العداء، وأن الإنسانية أكبر من كل الحدود والعقائد واللغات.
التسامح وعيٌ راقٍ
ترى المهندسة المعمارية ندى الياسري أن التسامح ليس ضعفاً كما يعتقد البعض، بل هو وعي راقٍ ونضج في التعامل مع الآخرين. فالمجتمعات المتصالحة داخلياً هي القادرة على التقدم، لأن الحقد والكراهية يستهلكان طاقة الإنسان ويمنعانه من العطاء.
فيما قال المحامي أحمد السامرائي: برأيي إن التسامح يحرر الإنسان من ثقل الغضب والضغائن ويمنحه راحة داخلية. الشخص المتسامح يعيش توازناً نفسياً أكبر ويمتلك علاقات أكثر استقراراً.
ومن جانبها قالت صفا عقيل، طالبة طب عام: نحتاج أن نبدأ بالتسامح من داخل بيوتنا ومدارسنا، من طريقة تعاملنا اليومية، لأن العالم الكبير يبدأ من تفاصيلنا الصغيرة. ففي اليوم العالمي للتسامح نحن لا نحتفل بحدث عابر، بل نذكّر أنفسنا بضرورة أن نكون جزءاً من سلام أكبر يبدأ من داخلنا، فالتسامح لا يغيّر الماضي، لكنه بالتأكيد يفتح طريقاً أفضل للمستقبل.
واجب أخلاقي
وترى التدريسية محاسن غانم أن للتسامح أثراً طيباً في حياة المجتمع، فالأشخاص الذين يُبدون التسامح تجاه الآخرين من المحتمل أن يصبح حالهم أفضل من الأشخاص الأقل تسامحاً، كما يُعدّ التسامح واجباً أخلاقياً تجاه الآخرين، مما يعزز احترام الشخص لذاته قبل احترامه للآخرين.
وأضافت: أنا عن نفسي أحب أن أسامح من آذاني سواء بالكلام أو الفعل، ولكنني أقطع تواصلي معه وأبتعد قدر المستطاع حتى لا يسبب لي مشاكل أخرى سواء في العمل أو في حياتي الاجتماعية.
وعلى النقيض مما قالته محاسن، حدثنا مصطفى عبد الأمير، موظف: أنا لا أسامح من يؤذيني ويظلمني، خصوصاً إن كنت على حق، إلا أنني لا أسعى للانتقام أو ردّ الأذى له، ولكنني أسلم أمري إلى الله في هكذا مواقف.
مشيراً إلى سبب ذلك بقوله: ليس الجميع يستحق العفو والمسامحة، فالبعض يعتبر التسامح ضعفاً أو خوفاً، ولربما هناك من نسامحه ويستحق البدء معه صفحة جديدة، فالإنسان بطبعه خطّاء، فلا بأس أن يعترف بخطئه ونسامحه، ولكن ستبقى بعد ذلك فجوة ومساحة محددة بين الطرفين.
ثقافة التسامح
وحدثتنا الاستشارية النفسية هند مفتن بهذا الجانب قائلة: يُعرف مفهوم التسامح بأنه الاعتدال في خطاب الآخرين والتعامل معهم نظرياً وعملياً على أساس منهج موضوعي مرن، دون ضرر أو إضرار، ودون انتظار مقابل أو جزاء.
كما له أهمية كبيرة في تعزيز الثقافة وبناء مجتمع سلمي ومتحاب، يسهم في تعزيز الانسجام والتعايش السلمي بين الأفراد. وقد يتعلم الإنسان التسامح من البيئة وحينها يكون مكتسباً، أو قد يكون فطرياً، إذ إن الإنسان خيرٌ بالفطرة، ولكن الرأي الراجح بين تلك الآراء أنّ التسامح فطري ومكتسب في آن واحد.
وعن دور المؤسسات التعليمية في تعزيز ثقافة التسامح أضافت: على المؤسسات التعليمية والتربوية أن تؤدي رسالتها على أكمل وجه من خلال نجاحها في بناء جيل واعد لقيادة المستقبل، وذلك بتعميم ثقافة التسامح بين الأفراد داخل المؤسسات وخارجها.
فضلاً عن دور الإعلام المهم الذي يسهم في نشر قيم التسامح، وهذا يتم من خلال غرس ثقافة قبول الآخر عبر وسائل الإعلام الجديدة، والعمل على تطوير وتعزيز التسامح عبر وسائل الإعلام باعتبارها السلطة الأولى في عصرنا الحاضر.
وفيما يخص المقارنة بين المجتمعات اليوم، إن كانت أكثر تسامحاً مقارنة بالماضي، تابعت: في حقيقة الأمر، التسامح أمر فردي وجماعي في الوقت نفسه، ولطالما وجدنا أن درجة التسامح تختلف بين أفراد الأسرة الواحدة، وتتفاوت درجة تطبيقه وسلوكياته في حياة الفرد وفق متغيرات الظروف والحالة النفسية وغيرها من المعطيات.
هذا وقد تناولت الأديان مفهوم التسامح أيضاً، إذ إن التعايش بين الأديان يسهم في تحقيق السلام ونشر رسالة التسامح والرحمة في المجتمع، ويعزز الحوار على مستوى اختلافهم ويقوي الروابط الدينية والثقافية بينهم. كما يسهم التنوع الثقافي في تعزيز التسامح واحترام الاختلافات بين الأفراد والثقافات.
وأشارت بالقول: إن التسامح ضروري في حياتنا اليومية، وإن ممارسة التسامح تساعدنا على بناء علاقات أفضل وزيادة التعاطف والحد من الصراعات، والإيمان بأن التسامح ليس ضعفاً، وأن العفو ليس نوعاً من الخضوع. ولابد من خلق مساحة حوار مع الآخرين وتحديد مواضع الاختلاف معهم لخلق لغة لفهم الموضوع.
وعن أبرز التحديات التي يواجهها الشخص عند محاولة التسامح مع الآخرين قالت:
الخوف، والكراهية، والرغبة في الانتقام. كما يمثل التسامح النسيان وقمع المشاعر الانتقامية ولو كان ذلك جزئياً، ومعه يجنب الشخص نفسه ردّ الإساءة التي سببت له الجرح أو الإهانة، ومع ذلك فإن الإساءة لا تختفي من الذاكرة وإنما تقبع في أعماق النفس.
كما أن لمنظمات حقوق الإنسان العالمية دوراً في تعزيز ثقافة التسامح، إذ تعد جزءاً مهماً من النسيج الاجتماعي، وتلعب دوراً حيوياً في توعية الجمهور وتعزيز الوعي بحقوق الإنسان، ومساعدة الأفراد في ممارستها والدفاع عنها، وتثقيفهم حول حقوق الإنسان وقيمها الأساسية والقانونية، وتقديم الدعم اللازم للمطالبة بحقوقهم. فضلاً عن دور منظمات المجتمع المدني، التي تنظم فعاليات ثقافية وتربوية واجتماعية تهدف إلى تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل وتعزيز قيم حقوق الإنسان.
اليوم العالمي للتسامح
يُحتفل باليوم العالمي للتسامح في السادس عشر من نوفمبر من كل عام، بعدما أقرّته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عام 1995، تأكيداً لأهمية التسامح كقيمة أساسية للسلام العالمي. ويهدف هذا اليوم إلى تعزيز ثقافة الحوار، واحترام التنوع الثقافي والديني والفكري، ونبذ العنف والتطرف، باعتبار التسامح ركيزة من ركائز العدالة والحرية وحقوق الإنسان.
وقد جاء تخصيص هذا اليوم بعد أن شهد العالم في تسعينيات القرن الماضي تصاعداً في الحروب العرقية والدينية وأعمال التطرف، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة، إذ شهدت مناطق عدة مآسي إنسانية بسبب الكراهية والتمييز، مما دفع اليونسكو إلى اعتماد إعلان مبادئ التسامح عام 1995، والدعوة إلى ترسيخ قيم التفاهم بين الشعوب والأديان. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا اليوم تذكيراً سنوياً بأن التنوع قوة وليس تهديداً، وأن الحوار هو الطريق الوحيد لحماية السلام الإنساني.








اضافةتعليق
التعليقات