إن الأزمات العالمية (أوبئة، نزاعات، كوارث مناخية) والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، قد رفعت الحاجة للتركيز على الصحة النفسية كجزء لا يتجزأ من الصحة العامة، حيث يوفر هذا اليوم منصة للمجتمعات والحكومات والمؤسسات لوضع سياسات لتمويل الخدمات النفسية، والدعوة إلى إزالة الحواجز أمام الوصول إلى العلاج والدعم. خصوصًا أن أغلب أفراد المجتمع يحجمون عن طلب الدعم النفسي ويخفونه خوفًا من النظرة السلبية والمريبة تجاهه.
بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، أجرت (بشرى حياة) هذا الاستطلاع:
شهادات ميدانية
"بنين" هو اسم مستعار، حدثتنا قائلة:
بعد وفاة أمي، ودخولي معها دكة المُغتسل ومساعدة المختصة في غسلها وتكفينها، أصابني حزن شديد، وبعد ذلك اليوم تأزّم وضعي النفسي جدًا، وأصبحت أعاني من أرق مزمن. غير أني كنت أخشى البوح بذلك أو السؤال عن استشاري أو طبيب نفسي جيد يساعدني على تخطي الحالة التي وصلت إليها.
وأضافت: تمكنت من مواجهة الموقف والذهاب إلى مركز الإرشاد الأسري، والتحدث مع إحدى الاستشاريات، حيث تلقيت دعمًا نفسيًا كبيرًا منها، ووجّهتني لزيارة طبيب مختص لصرف علاج يساعدني على النوم. واليوم أشعر بتحسن كبير، وقد بتّ لا أخشى الحديث فيما يخص الصحة النفسية، فهو مرض يصيب الإنسان كأي مرض عضوي آخر.
وختمت حديثها قائلة: يجب أن نمتلك شجاعة الاعتراف بالاضطراب النفسي ومعالجته قبل تفاقم الحالة وفوات الأوان.
فيما قالت يسرى خضير، ناشطة مجتمعية:
غالبًا ما نسعى لتنظيم ورش مختصة بالتثقيف الصحي بشكل عام، مثل الكشف المبكر عن سرطان الثدي، أو إجراء التحاليل العامة سنويًا، أو المعاينات الخاصة للأسنان أو العيون، ومن ضمنها الصحة النفسية، وخصوصًا متابعة الأطفال والمراهقين من خلال ملاحظة تغير سلوكياتهم والاهتمام بميولهم وطموحاتهم وهواياتهم.
كما تدعو الجهات المختصة إدارات المدارس إلى الاهتمام بهذا الجانب، خصوصًا لتلاميذ المراحل الأولى، للاطمئنان على استقرارهم الأسري، في حال انفصال الوالدين أو وفاة أحدهما.
ومن جانبه، قال عماد ناصر، موظف في القطاع الخاص:
إن الصحة النفسية موضوع بالغ الأهمية، إذ ترتبط بسلوكيات الفرد التي تعكس صحته النفسية في ممارسة نشاطاته اليومية في كل مفاصل الحياة، ومع جميع أفراد المجتمع. لذلك، بدل أن تُعتبر عذرًا، يجب أن تكون جزءًا من أساسيات الموارد البشرية.
الصحة والحياة
وترى الاستشارية النفسية، نور مكي الحسناوي، أن اليوم العالمي للصحة النفسية الذي يتم الاحتفال به، هو فرصة توعوية بأهمية الصحة النفسية، وتعبئة الجهود من أجل دعم هذا الجانب.
كما يذكّرنا بأن الوقاية والعلاج يحتاجان إلى استثمارٍ مستمر، لا إلى إعلانٍ سنوي فقط. وعلى كل فرد التعرف على علامات الضيق النفسي والبحث عن الدعم المبكر، إذ يوفر ذلك فرصًا كبيرة للتعافي. ويجب توسيع خدمات الوصول إلى الرعاية النفسية، ودمجها ضمن خدمات الرعاية الصحية الأولية، وذلك لأهميتها المجتمعية.
خطوات عملية وإرشادات
وعن أهم الإرشادات النفسية المهمة، أضافت الحسناوي:
الدعم المبكر: يجب استشارة طبيب أو أخصائي نفسي قبل تفاقم الأعراض.
التواصل الاجتماعي: من المهم التواصل مع الأصدقاء أو العائلة أو مجموعات الدعم، فالعزلة تزيد المشكلة والانطواء.
الروتين الصحي: يجب اتباع روتين صحي، كالنوم الكافي، والتغذية المتوازنة، وممارسة نشاط بدني منتظم، لما له من تأثير إيجابي على المزاج.
المرونة المعرفية: تعلّم تقنيات التنفس، وإدارة الأفكار السلبية، والحد من الضغوط العملية والإرهاق.
المؤسسات والمجتمع
وحول دور المؤسسات والمجتمع، تابعت نور:
تساهم الجهات الحكومية المختصة في تمويل برامج الصحة النفسية المجتمعية، مثل تدريب موظفي الرعاية الأولية، وإدماج خدمات الصحة النفسية في السياسات الصحية.
أما المدارس، فتقدم برامج توعية للطلاب والمعلمين للكشف المبكر والدعم.
ويجب الاهتمام بالصحة النفسية في مكان العمل، حيث يمكن أن تتيح بيئات العمل الآمنة والصحية عامل وقاية للصحة النفسية.
من المهم جدًا تهيئة بيئة عمل تكفل الوقاية من مخاطر اعتلالات الصحة النفسية، وتعمل على حمايتها ودعمها.
أما المنظمات المجتمعية والإعلام، فعليها أن تعمل على كسر الوصمة وتشجيع السرديات الإيجابية حول التعافي.
الصحة النفسية وحقوق الإنسان
تُعدّ الصحة النفسية حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان المكفولة للجميع. فمنذ عام 1992، يحتفي العالم في 10 أكتوبر بـ(اليوم العالمي للصحة النفسية)، كفرصة سنوية للتذكير بأن الصحة النفسية ليست رفاهية، بل حق إنساني أساسي.
يهدف هذا اليوم إلى رفع الوعي، وكسر وصمة العار، والتثقيف، وتحريك الجهود لتوفير خدمات نفسية جيدة ومتاحة للجميع.
في الختام، نؤكد أن اليوم العالمي للصحة النفسية ليس مجرد تاريخ في التقويم، بل دعوة للعمل المستمر، بدءًا من توسيع خدمات العلاج والوقاية، إلى تعزيز ثقافة الدعم في الأسرة، والعمل، والمدرسة.
اضافةتعليق
التعليقات