حتى أولئك الذين يتمتعون بوعي كبير ونوايا حسنة معرضون للانزلاق في نوع من الارتكاس الزمني العاطفي رداً على ماضيهم وليس على ما يحدث في الحاضر، حيث تبدأ هذه القصة عندما تصرخ إيميلي طالبة المساعدة من أمها لتحريرها بعد أن علقت في هيكل حديدي للتسلق.
تتحدث الأم قائلة: طلبت منها أن تنزل، وعندما قالت إنها لا تستطيع النزول بدأت أشعر بالغضب اعتقدت أنها تسعى إلى لفت الانتباه وأن بمقدورها النزول من تلقاء نفسها بسهولة، صرخت عليها: "انزلي على الفور".
نزلت أخيراً، ثم حاولت أن تمسك بيدي لكنني كنت لا أزال غاضبة، وعندما نهرتها أخذت بالعويل، وبعد أسبوع من هذه الحادثة كنا في حديقة حيوانات وكان هناك هيكل آخر للتسلق، وعندما نظرت إليها انتابني إحساس عابر بالذنب ومن الواضح أن إيميلي تذكرت ما حصل في الأسبوع السابق لأنها نظرت إلي بشيء من الخوف، سألتها إن كانت ترغب في اللعب عليه وعوضاً عن الجلوس في المقعد والعبث بهاتفي وقفت بالقرب من الهيكل وأخذت أراقبها، وعندما شعرت أنها علقت رفعت يدها نحوي طالبة المساعدة ولكن في هذه المرة حاولت تشجيعها ونجحت في ذلك، وعندما نزلت سألتني: لماذا لم تساعديني في المرة السابقة؟
فكرت في الأمر وقلت لها: عندما كنت صغيرة كانت نانا تعاملني كالأميرات وتحملني دائماً وتنبهني باستمرار، كنت أشعر أنني عاجزة عن القيام بأي شيء بمفردي ما أفقدني ثقتي بنفسي لا أريد لذلك أن يحدث لك وهذا هو السبب الذي منعني من مساعدتك على النزول من الهيكل في الأسبوع الماضي، كما تذكرت عندما كنت في سنك ولم يكونوا يسمحون لي بالنزول من تلقاء نفسي لقد انتابني الغضب فتصرفت معك بعصبية ولم يكن ذلك منصفا، نظرت إيميلي إلي وقالت: "أه، اعتقدت حينها أنك لم تكوني مبالية بما يحدث لي، قلت لها الأمر ليس هكذا، ولكن في تلك اللحظة لم أكن أدرك أنني غاضبة من نانا وليس منك أنت، أنا آسفة لما حصل.
وعلى غرار ما حدث يمكننا معرفة أنه من السهل إطلاق الأحكام أو الافتراضات الفورية حول ردود أفعالنا العاطفية من دون التفكير في أن ما نفعله يمكن أن يكون رداً على أشياء حصلت لنا في الماضي وليس نتيجة لما يحدث الآن، ولكن عندما نشعر بالغضب أو عندما يعترينا أي شعور قوي آخر، مثل الاستياء والإحباط والغيرة والقرف والذعر والعصبية والرهبة والخوف رداً على شيء يفعله أو يطلبه أطفالنا، من المفيد أن نفكر في الأمر بمنزلة إنذار ليس إنذاراً بأن أطفالنا يرتكبون خطأ بالضرورة ولكن بأن ردود أفعالنا ناجمة عن تجاربنا الشخصية في الماضي، وإن غالباً ما تتلخص آلية هذا النمط السلوكي بما يلي:
1.التعامل مع أطفالك بغضب: إن الغضب الطريقة التي تعلمتها لتحصين نفسك ضد المشاعر التي اجتاحتك عندما كنت في سنّهم، إذ إن سلوكهم خارج دائرة وعيك يهدد باستحضار تلك المشاعر القديمة كاليأس والتوق والعزلة والغيرة والعوز، فتلجأ إلى الخيار الأسهل بشكل لاشعوري، فعوضاً عن تحسس ما يشعر به طفلك، تبحث عن منفذ سريع في الغضب أو الإحباط أو الذعر.
٢.تعود المشاعر النابعة من الماضي: في بعض الأحيان، إلى أكثر من جيل واحد كانت أمي ترى في زعيق الأطفال وهم يلهون شيئاً مزعجاً للغاية، وقد لاحظت أن شعوراً مماثلاً ينتابني لدى أي ضجة تحدثها ابنتي ورفيقاتها رغم أنهن كن يلهون بمتعة وفرح كما يفعل الأطفال، حاولت أن أبحث عن السبب فسألت أمي ماذا كان يحدث عندما تصدر ضجة أثناء اللعب في طفولتها قالت لي إن أباها كان قد تجاوز الخمسين عندما ولدت وغالباً ما كان يعاني من الصداع وكان على الأطفال أن يتحركوا بهدوء شديد في المنزل تجنباً للعقاب.
٣.شعورك عندما كنت طفلاً: أن الأشخاص الذين أحبوك لم يكونوا معجبين بك على الدوام، وربما كانوا يجدونك في بعض الأحيان شخصاً مزعجاً أو مخيباً للأمال أو تافهاً أو متعباً أو بليداً أو غبياً، وعندما يذكرك سلوك طفلك بهذه الأشياء يتحرك فيك شيء ما فتلجأ إلى الصراخ أو الارتكاس إلى ذلك السلوك السلبي المتأصل فيك.
في النهاية ليس بالأمر الهين أن تصبح أباً أو أماً فبين ليلة وضحاها يحتل طفلك قمة أولوياتك على مدار الساعة حتى أن ذلك يمكن أن يجعلك تدرك الصعوبات التي كان يواجهها أبواك فتقدرهما أكثر أو تتماهى معهما أو تشعر بعاطفة أكبر نحوهما، لكنك بحاجة إلى التماهي مع أطفالك أيضاً فالتفكير في المشاعر التي كانت تغمرك عندما كنت في سن طفلك سوف يساعدك في التماهي مع مشاعر طفلك، ما يعينك على فهمهم والتعاطف معهم عندما يتصرفون بطريقة تدفعك إلى إبعادهم عنك، فمن السهل علينا الافتراض أن مشاعرنا مرتبطة بما يحدث أمامنا وليست رد فعل على أشياء حصلت في الماضي، ولو أردت طريقة لتجاوز هذه المشاعر يمكنك أن تقوم بتمرين من أين يأتي هذا الشعور؟
فحين ينتابك الغضب في المرة القادمة تجاه طفلك، عوضاً عن التعبير الفوري عن هذا الشعور توقف واسأل نفسك هل يتعلق هذا الشعور بهذا الموقف وبطفلي في الوقت الحاضر؟ وكيف أمنع نفسي من التماهي مع شعوره في هذه اللحظة؟
فتتمثل إحدى الطرق الجيدة في لجم ردة الفعل المباشرة في أن تقول: يلزمني بعض الوقت للتفكير فيما يحدث، ثم تستغل ذلك الوقت لتهدئة نفسك، فحتى لو كان طفلك بحاجة إلى نوع من التوجيه، لا فائدة ترجى من ذلك عندما تكون غاضباً، وإن حاولت توجيه طفلك عندها فكل ما سيسمعه هو هديرك فقط وليس ما تحاول أن تقوله له فانتبه.



اضافةتعليق
التعليقات