"ما من أمر يثير الخوف كالجهل". جوهان وولفغانغ فون فوتي. إننا لا نتعلم الخوف الحقيقي، والخوف الخيالي هو ما نكتسبه. لذلك. فبوسعنا التخلص من الأخير. يولد المرء وفي نفسه قدرة على الشعور بالخوف من ثلاثة أمور هي: الوقوع، هجر الآخرين، والأصوات العالية والمفاجئة. تلك هي مشاعر الخوف الوحيدة الفطرية عند الإنسان. يحس الطفل بها دون أن يفكر فيها، إلا أن ذلك لا يثبت أنها مشاعر غير منطقية.
قد يلقى الطفل حتفه من جراء الوقوع أو هجر الآخرين له. يتذكر القليل من الناس طفولتهم حيث إن الوقت يزيل الذكريات ولكنه لا ينسي المرء ما تعلمه من تجاربه العديدة، بالنسبة للأطفال الخوف شعور غير مريح وأليم إلى حد كبير. لا يسع الأطفال أن يعبروا عن أنفسهم من خلال استعمالهم للكلمات وتتمحور حياتهم حول المشاعر التي تؤدي إلى ردات فعل فطرية. لدى المولود الجديد ردة فعل لا إرادية وهي التشبث بالأشخاص والأشياء، وتعمل هذه القبضة على حمايتهم من الوقوع في بعض الأحيان. كما يقوم الأطفال بالبكاء وهو صوت يستحيل تجاهله. من خلال البكاء، ينجح الأطفال
في حث الراشدين على التجاوب وتحقيق رغباتهم بمحبة واندفاع، خصوصاً أن سماعهم لهذا الصوت يذكرهم باحتمال هجر الآخرين لهم. إن الخوف من الهجر شعور يلازم كل راشد ويدفعه إلى التخلص منه بشكل سريع.
للعواصف الرعدية أو أي صوت مماثل القدرة على إثارة الخوف في نفوس الجميع، راشدين كانوا أم صغاراً. غالباً ما تظهر علينا ردة فعل لا إرادية في هذه الحالات، وتتمثل بانقباض الكتفين ودفع الرأس إلى الأمام. بعد هذه الحركة الجسدية، يزول الإحساس بالذعر. يخاف بعض الراشدين من الرعد، ولكن معظمنا لا يخاف من الأصوات العالية بعد النضوج.
القانون السابع للخوف
يسيطر على الإنسان نوعان فطريان من الخوف هما: الخوف من الوقوع، والخوف من تخلي الآخرين عنه. أما المخاوف الأخرى، فإنها مشاعر يكتسبها الفرد نتيجة لإحدى العوامل التالية:
- مراقبة الآخرين.
- الصدمات الحياتية.
- تكرار التجربة المثيرة للخوف.
الاطلاع على معلومات عن الخوف.
إن أي شعور غير فطري هو إحساس مكتسب. إن كنتم غير مقتنعين بذلك، تذكروا كيف نعلم الأطفال القوانين التي تحفظ سلامتهم وهم في الطريق. إنهم لا يهابون السيارات، يُحذر الراشدون من السيارات ولكنهم لا يخافون عادة منها، وهي في الموقف في وضع غير متحرك. بالرغم من ذلك، إننا شديدو الحذر من السيارات المسرعة، خصوصاً أن نصف طن من الحديد الثقيل قد يقتلكم حتى وإن كانت السيارة تسير ببطئ. لقد تسببت السيارات بفتك عدد أكبر من الأشخاص مقارنة بالمصاعد والعنكبوت وركوب الطائرة والثعابين. كيف نفسر فهمنا العقلاني للسيارات وخطورتها في حين أننا قد نصاب بالذعر عند تواجدنا في مصعد أو طائرة أو أمكنة شاسعة أو من جراء أمور أخرى لا تعرضنا للخطر نفسه الذي قد يتأتى من السيارات؟ لذلك علاقة بما نحن معتادون عليه وبما نستطيع السيطرة عليه، إلا أن ذلك لا يفسر المسألة بشكل كلي.
إننا نكتسب الشعور بالخوف من أشياء كثيرة في حياتنا وبشكل أكثر شدة من خوفنا من الهجر أو الوقوع. أعطوا أي طفل عنكبوتاً فقد يحاول أكله ولا يبكي خوفاً منه. إلا أن ردة الفعل التي قد يظهرها الراشدون أمام الطفل بسبب خوفهم من هذا العنكبوت يؤدي إلى اكتساب الطفل لهذا الخوف. يقوم الأطفال والأولاد بمراقبة الراشدين بدقة ويتعلمون منهم مختلف الأمور دون حاجة لتلقينهم إياها.
تخيلوا تواجدكم في بيئة غريبة لا تعرفون ما فيها من أمور خطرة ولا تفرقون بين الأشياء الخطرة والآمنة. إن رأيتم سكان هذه المنطقة الذين يعرفون بيئتهم بشكل جيد وهم يظهرون خوفاً من شيء ما، فإنكم تكتسبون هذا الخوف تماماً مثلهم. ما يحتكم على ذلك هو عدم الرغبة في المجازفة، وهذا ما يحصل مع الأطفال. يقلد الأطفال الراشدين ويراقبونهم، حيث إنهم يعدون من هم أكبر سناً أكثر إدراكاً لعالمنا المعقد ولما فيه. إننا نكتسب الخوف وقد يكون ذلك مبرراً في بعض الأحيان، ولكننا في أحيان أخرى نتعلم الخوف من أمور لا داعي للذعر منها. مجرد خوف الآخرين منها يدفعنا إلى اكتساب الشعور نفسه.
كيف يكتسب المرء المخاوف الخيالية؟
يتم ذلك من طرق مختلفة:
- مراقبة الآخرين: يكتسب الطفل الشعور بالخوف من جراء مراقبة والديه أو الراشدين من حوله وهم خائفون من أمر ما.
-الصدمات الحياتية: يمر الطفل بتجربة سيئة تجعله يبني نظرة مماثلة لمختلف التجارب. على سبيل المثال: يدخل الطفل إلى المستشفى وتتم معاملته بشكل سيئ، وقد يصاب بألم شديد عندها يستنتج الطفل أن جميع المستشفيات والأطباء مثيرون للرعب. عندها، ينمو لديه ذعر من الأطباء والمستشفيات ويستمر هذا الإحساس حتى في سن الرشد. قد ينسى المرء التجربة السيئة الماضية، ولكن الخوف لا يزول. هكذا تولد حالات الهلع المرضي من جراء تجربة واحدة سيئة ومؤلمة.
- تكرار التجربة المثيرة للخوف: قد نتعرض لسلسلة من التجارب السيئة مما يتسبب باكتسابنا للخوف الخيالي، على سبيل المثال: قد يمر المرء بعدّة تجارب مثيرة للغيظ ومتعلّقة بمن هم أكثر سلطة كالمعلمين مثلاً. مع الوقت، تنمو لديه مشاعر الخوف من الأشخاص الأكثر سلطة حيث إنه يعاني مراراً وتكراراً من سوء التجربة معهم ليس من الضرورة أن تكون هذه التجارب مأساوية ولكن ما يمر به المرء عند تعرضه لها كفيل بتنمية الخوف في نفسه.
-الاطلاع على معلومات عن الخوف: عندما نسمع الآخرين يتحدثون عن الخطر، نصبح مقتنعين بوجوده وكثيراً ما تتسبب نشرات الأخبار بذلك. تبث هذه النشرات تقارير عن تجارب سيئة يمر بها الآخرون، مما يؤدي إلى شعورنا بالخوف. نبدأ بتجنب المواقف المماثلة لأننا لا نريد المعاناة ذاتها. قد تكون المعلومات غير دقيقة وقد تكون الظروف استثنائية، مما لا يحتم مرورنا بالتجارب نفسها. إلا أننا نقتنع بالأمر في معظم الأحيان ونصاب بالذعر من هذه الظروف. على سبيل المثال: قد تكون هناك تقارير إخبارية عديدة تتحدث عن مخاطر السفر إلى أفريقيا. تتحدث هذه التقارير عن إصابة الأشخاص بالمرض أو عن تعرضهم للهجوم في تلك المنطقة. قد تكون هذه المواضيع دقيقة ولكن ذلك لا يحتم تعرضنا للظروف نفسها. هناك الكثير من التقارير الإخبارية المتمحورة حول المآسي والمخاطر ولكن قليلاً منها يذكر لاحقاً أن المخاطر قد زالت. لذلك، فإننا نكتسب الخوف، ولا يتم تصحيح المسألة بمدنا بالمعلومات الجديدة التي قد تطمئننا.
مخاوف الأطفال
إننا نكتسب مشاعر الخوف في مرحلة الطفولة عندها، يكون العالم من حولنا مرعباً إذ إننا لا نملك في تلك المرحلة السيطرة على مجرى الأمور، علينا تعلم الفرق بين المسائل الخطرة والآمنة لسوء الحظ، نقترف في تلك المرحلة الكثير من الأخطاء ومن ثم ننسى أننا ارتكبناها. لذلك، قد تكون في نفوسنا مخاوف لا داعي لها نظراً لمرور الوقت منذ أن اكتسبناها، لربما كان الخوف هذا منطقياً في الماضي لأننا كنا في صغرنا أقل معرفة، ولكن هذه الأحاسيس لا تتغير مع تقدمنا في العمر ووفقاً لتجاربنا كراشدين. ما هي المسائل التي تتم الإشارة إليها عند تحليل مخاوف الأطفال؟ كيف نكتسب المخاوف وكيف نتخلص منها؟
المخاوف في مراحل مختلفة من حياة المرء
هناك مخاوف معينة تنمو في نفوسنا وتسيطر علينا في مراحل مختلفة. بين الخمسة والعشرة أشهر، يخاف الأطفال من الغرباء وتنمو لديهم القدرة على التفريق بين من يعرفونهم ومن لم يلتقوا بهم أو لا يتذكرونهم الغرباء خطيرون ما زال الكثير من الراشدين مقتنعين بتلك الفكرة ويفترضون أن أي شخص غريب هو إنسان عدائي إلى أن يثبت العكس.
يعاني الأطفال في سنهم المبكرة من القلق من الافتراق عن أمهاتهم، ويغلب عليهم هذا الشعور بين الشهر الثاني عشر والثامن عشر. تزداد هذه الحالة عند الأطفال الذين فقدوا قريباً أو صديقاً أو حيواناً أليفاً وعند من مروا بتغيير جذري في حياتهم كافتراق الوالدين أو الانتقال من منطقة إلى أخرى.
بين السنتين والأربع سنوات من العمر، يقوم الطفل بمحاولات لفهم العالم من حوله والتفريق بين الخيال والواقع قد يخافون من الظلام. قد يضطر الأهل مراراً وتكراراً إلى تأكيد أنه لا توجد وحوش تحت السرير وإلى التحقق من أنه لا توجد وحوش داخل الخزانة لمرات عدة كلّ ليلة. عندما لا يكون الطفل قادراً على التفريق بين الخيال والواقع، يصبح المنطق غير فاعل. يحتاج الطفل عندها إلى الثقة بالوالدين أو إلى علاج آخر كلعبة على شكل مسدس يساعده على محاربة الوحوش.
في مرحلة الأربع إلى ست سنوات، يهاب الأطفال الافتراق عن ذويهم ولذلك يخافون من الالتحاق بالمدرسة. قد يكون الخوف من الظلام موجوداً في هذه المرحلة، إضافة إلى الخوف من الضياع بين الست والإحدى عشرة سنة، تتمحور المخاوف حول التعرض إلى الأذى الجسدي ويتمثل ذلك بالهلع من أطباء الأسنان والأطباء بشكل عام، إضافة إلى البرق والرعد والسارقين.
بعد سن الثانية عشرة، تصبح المخاوف اجتماعية كالخشية من الامتحان أو إلقاء الخطابات أو رفض الآخرين أو الشعور بالإحراج أو سخرية الجنس الآخر.
مساعدة الأطفال على التخلص من المخاوف
إن مخاوف الأطفال شديدة تماماً كتلك التي يعاني منها الراشدون. إن مصادر الخوف نفسها عند الفئتين، كما أن الأطفال يخافون من أمور أخرى خاصة بهم. بوسع الأطفال السيطرة على ما يخيفهم بالأساليب نفسها التي يتبعها الراشدون. يعتقد الناس أحياناً أن مخاوف الأطفال غريبة أو غير منطقية وفقاً للتفكير الراشد، مما يدفعهم إلى الافتراض أن الخوف الذي يواجهه الصغار أقل حدّة أو أقل أهمية إلا أن أساس الخوف هو مفهوم المرء لما يهابه وليس هذا الشعور مبنياً على الواقع. تزداد المسألة سوءاً عندما يسخر الراشدون من مخاوف الصغار عندها، يصبح على الأطفال السيطرة على الخوف وتحمل السخرية في بعض الأحيان، يخفي الأطفال مخاوفهم لأنهم يخجلون منها أو لأنهم لا يريدون أن يقلقوا الآخرين.
عندما ترغبون في مساعدة طفل يعاني من خوف ما، فإن الخطوة الأولى عندها تكمن في قبول المسألة تماماً كما يصفها لكم. قد تظنون أن ما يخاف منه الطفل أمر غير منطقي أو بعيد عن الواقع، ولكن عليكم الإصغاء إليه. عندما تأخذون مخاوف الطفل على محمل الجد، يشعر بذلك مما يطمئنه ويشجعه على التعبير عن نفسه.
أما الخطوة الثانية، فهي مد الطفل بالمعلومات التي يحتاجها على أن تتوافق وعمره، وتكون الغاية من ذلك مساعدته على تقييم الخوف. فلتكن المعلومات دقيقة، ولا تحاولوا إقناعه بنسيان خوفه. قد لا تساعده المعلومات على التغلب على الخوف بشكل فوري. غالباً ما يكون الشخص الذي يمد الطفل بالمعلومات أكثر أهمية مما يقوله. يحتاج الطفل إلى أن يثق بكم وكلما ازداد ذلك، صدق المعلومات وعمل بها.
تتمحور الخطوة الثالثة في مساعدة الطفل حول السيطرة على الخوف بأسلوبه الخاص. إننا نعلم أن السيطرة تعمل على تقليص مفعول الخوف للتخلص من خوف الطفل، وبالأخص الخوف الذي يبدو منطقياً بالنسبة إليه، عليكم أن تقدموا لهم حلاً فاعلاً يمنحهم الفرصة للسيطرة على الخوف بطريقة تتماشى وفهمهم لهذا الشعور.
استمرار المخاوف بعد مرحلة الطفولة
تستمر بعض المخاوف بالتأثير على المرء في مرحلة البلوغ بينما يكون أساسها قد زال.
إن أكثر المخاوف انتشاراً هو الخوف من الرعد والبرق ومن الدم والمرتفعات والظلام والأماكن الضيقة وسخرية الآخرين.
يخاف الكثير من الناس من الدم ويفقدون وعيهم عند رؤيته وخصوصاً النساء. إن فقدان الوعي ردة فعل لا يمكن اعتبارها منطقية إن لم يكن الدم دمنا حيث إن ذلك يشير إلى انخفاض في ضغط الدم وإلى الضعف الجسدي. إن ضغط الدم عند النساء يكون منخفضاً بشكل أكبر من ذلك لدى الرجال. لذلك، فإن انخفاضه بشكل إضافي لديهن يؤدي إلى فقدانهن الوعي.
يخاف الكثير من الأشخاص من الوحدة ومن الوجود بمفردهم في الظلام. لا يصاب هؤلاء بالخوف نفسه عند وجودهم في الظلام مع أشخاص آخرين. وهذا له علاقة بخوف الأطفال من هجر الآخرين لهم.
إن الخوف من المرتفعات مرتبط بالخوف من الوقوع وهو أحد أهم المخاوف التي يشعر بها الأطفال.
إن الخوف من سخرية الآخرين شعور مرتبط بالخوف من هجر الأحباء لنا. إننا نرغب في الحصول على قبول الآخرين ونحتاج إلى العلاقات المتينة. عندما ينظر إلينا الناس وهم يحاولون إطلاق الأحكام المتعلقة بنا، فإن ذلك يشعرنا عادةً بالرفض.
يتخطى البالغون هذه المخاوف لسببين أساسيين. أولاً، إن السنوات والخبرة تجعل المرء معتاداً على مختلف الظروف وتشعره بالجاهزية لمواجهة أي شيء. كلما اعتدنا على أي ظرف معين تقلص خوفنا منه.
ثانياً، إننا نشعر كبالغين بقدرة أكبر على التحكم بما حولنا، ولا نحس بالضعف كالأطفال.
لم يمض على وجود المخاوف الحديثة الكثير من الوقت لتترسخ في نفوسنا. يصاب آلاف الأشخاص بالأذى نتيجة للحوادث المنزلية كالسقوط من على السلالم أو الضرب على الأصابع عوضاً عن المسامير. يلقى الناس حتفهم كل يوم بسبب التدخين والأمراض السرطانية وأمراض القلب المتأتية عن ذلك. يؤذي المدخنون أنفسهم ولا يسعنا سوى تنشق الدخان من سجائرهم.
إننا لا نخاف من المسائل التي نستطيع التحكم فيها. عند شعورنا بالقدرة على السيطرة عليها، يصبح بوسعنا تحمل الخطر، يتوتر الكثير من الناس عندما يقود شخص آخر السيارة ولكنهم يجازفون بشكل أكبر عندما يقومون بقيادتها بأنفسهم لأنهم يشعرون عندها بأنهم متحكمون فيها.
اضافةتعليق
التعليقات