هلال صفر وليد في السماء، مواكب الولاء تنطلق نحو ارض العز والإباء، سيرا على الاقدام من مسافات تبلغ 600 كيلومتر فأكثر او اقل، مجسدة معاني الانسانية والاسلامية في مواقف عدة منها:
• الأخوة: (إن الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) قول امير المؤمنين عليه السلام المشهور يتجلى بكل معاني الاخوة في الدين عند تلك الملايين التي تواصل الليل بالنهار سيراً معاً بقلوب متحابة متعاونة يجمعهم طريق واحد يوصلهم الى حيث محبوبهم، وكأن صلة قرابة تجمعهم .
• التجرد عن كل المميزات: الدكتور والمهندس مع العامل والمعلم، الحضري والبدوي، الابيض والاسود، العالم والأمي.. كلها تسميات وانتماءات تُسحق تحت اقدام السائرين لتتحول الى زائر الحسين، خادم الحسين فلا انتماء اجل واسمى من الحسين .
• العطاء اللامتناهي: التطوع هو ارقى عمل يقوم بهِ الانسان بلا مقابل من اجل خدمة الاخرين والمساهمة في تحسين امر ما، واعلى مراتب التطوع هو ما نراه من عطاء استثنائي في خدمات المواكب التي نصبت على امتداد الطريق المؤدي الى كربلاء لمدة تزيد على العشرين يوم، حيث تقدم المأكل والمأوى المتكامل للزائر الحسيني، يوفرون ما لا يخطر في البال ولسان حالهم (يدلل زاير ابو علي).
السؤال من الممول؟ الجواب: فقراء الحسين .
• العبادة: لا تخلو ايدي الزائرين من المسابح وهي تُحرك مع اللسان الذاكر لله تعالى مسبحاً مستغفرا مصلياً على محمد وآله الاطهار، بالإضافة الى صفوف المصلين التي تصطف ما أن يرتفع صوت الآذان لتأدية الفرض .
• الاخلاق الحسينية: بشكل عام كل التجمعات المليونية لا تخلو من المشادات الكلامية وبعض تجاوز الحدود وخروقات اخلاقية، الا في مسيرة العشق الحسيني التي تضم على اقل الاعداد عشرين مليون ترى الاخلاق تتجسد في كل زائر، الشاب لا يلتفت لوجود النساء، والنساء بكامل الحشمة.
• تجديد الولاء لسيد الشهداء: وحيداً في الطفوف يشكو قلة الناصر فنادى نداءه الذي مازال يدوي حتى يومنا هذا (الا من ناصر ينصرني..) فأجابته الارواح في عالم الذر واعلنت ولاءها، ومازالت شيئاً فشيء تُخلق لتفي بعهد الولاء، وما السير في الاربعين كل تلك المسافات بمختلف الاعمار الا جانب من جوانب اعلان الولاء وتجديده. ما ان تسأل زائر مسن عن سبب مشيه الا وأجاب (قاصد الى الحبيب) ما ان تسأل زائرة _تفاصيل حياتها المُتعبة مرسومة في جبهتها_ ألا تتعبك هذه المسافة البعيدة؟ بعبرة تُجيب (نواسي السيدة زينب عندما عادت الى قبر الحسين، اي تعب نشعر به ووسائل الراحة متوفرة على طول الطريق بينما كل ذلك لم يتوفر لعقيلة بني هاشم).. تلك الاجابات تسمعها من فطرة السائرين جميعا بمختلف اعمارهم.. المواساة غايتهم فقط ذلك هو الولاء، ذلك هو الحب لساكن كربلاء .
ومن خلال تلك المواقف المشرفة التي تخطها اقدام الزائرين في كل عام وايدي خدام المواكب يفسر قول الامام العسكري عليه السلام: (علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين بالسجود والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم).
ويأتي الجزاء الدنيوي والاخروي في مناجاة الامام الصادق في صلاته حين يقول: (يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا الشفاعة، اغفر لي ولإخواني وزوّار قبر أبي عبد الله الحسين، اللهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافاً منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تتقلّب على حفرة أبي عبد الله عليه السلام، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا، اللهمّ إنّي أستودعك تلك الأبدان وتلك الأنفس حتّى توافيهم من الحوض يوم العطش).
اضافةتعليق
التعليقات