أشعر أنّ دموعي التي تنزل لا دموعها، أنّ قلبي الذي يتألم لا قلبها، أشعر أنّ رأسي يؤلمني لا رأسها حين تضربه حزنا، أرى أن الحياة لم تكن عادلة معي عندما لم تعدل معها.
أسمع نشيجها المخفي عند نومنا، أشعر بهروبها عندما تتسلل الدموع لعينيها كي لا تشعرنا بشيء، ألا تعلم أن صوت بكائها ينحدر بقوة نحو أذنيّ.
لطالما شعرتُ بأني مسؤولة عن إبعاد هذا الحزن عنها، لا أعلم لماذا إلا إن كلَّ مرة تبكي بها أشعر بالذنب، أشعرُ بأنني لم أحاول كفاية لأسعدها، لأعوضها شيئا منما أخذتهُ الحياة منها، إلا إن الحياة أخذت الكثير ولازالت تأخذ، لا أعلم لم يختبرها القدر كثيرا هكذا، إنه يختبرني أيضاً.
تمنيتُ لو أستطيع صم أذنيّ كيلا يتسللَ إليها صراخها المؤلم هذا، آخر مرة صرختْ أختي فيها وهي تبكي شعرت بأنني أفقد كلَّ حُبٍ أملكهُ للحياة، كلّ حبٍ أملكهُ لأحلامي، شعرت أن كل ابتهالاتي وأدعيتي توجهت لتتوسل تحقق أمانيها هي.
عائلتي هي كل ما يهمني في هذا العالم، لا أملك القدرة على مُضي يوم واحد بدونهم، أختاي هنّ كل ما ملكت يوما.
إن كنت لم أشتقْ يوما لوجود صديقة فكله بسببهن، هن كل أصدقائي.
يصعب عليّ رؤيتهن هكذا، رؤية أنّ الحياة سلبتْ منهن ضَحكاتهن، بدأتُ أرى في كل ضحكة لهنّ حزنا عميقا مخفيا، كلما علا صوت الضحكة علا صوت الحزن معها، ذلك الصوت الغريب الشجي الذي يتسلل من بينِ كل الضحكات ليصبح الصوت الوحيدَ المسموع.
سلبتْ منهن الحياة فكاهتهن المعهودة، لطالما كنت أنا الفتاة ذاتَ القالب الحزين إلا أنني بدأت حديثا بمعرفة أنهن أكثر حزنا مني.
الوجوه تخدع، لطالما خدعتنا الوجوه، تستطيع رؤية ملامحها كوجهٍ متمردٍ مسيطرٍ مليٍء بالسفاهةَ واللامبالاة ووجه الأخرى مليء بكل معاني العصبيةِ والغرور والبرود الذي تشترك فيه ملامحنا نحن الثلاثة، إلا أنني لم أعدْ أنظر إلى وجوههن، يمنحُك رباط الدم هذا القدرة على رؤية ما تخفيه تلك الملامح، على رؤية الروح، يمنحك قدرة التحول إلى زجاج و رؤية عائلتك كزجاج، صافٍ شفاف لا يمكنه اخفاء أي شيء عنك.
رأيت يوما داخل أختاي نقطة سوداء، خشيت يومها أن تكبر وتلتهم داخلهن.
كبرت ونسيت حتى رأيت يوما أن النقطة السوداء تلك قد كبرت وضاعت أختاي داخلها.
ومن يومها وانا أحاول اخراجهن جاهدة خائفة أن يتركنني يوما لأصبح أنا النقطة السوداء تلك بفقدانهن.
اضافةتعليق
التعليقات