في عالم الموسيقين.. لا وجود للدموع مع الموسيقى ..
أنت تستطيع البكاء طالما أصابعك تعزف لحن حزين..
من حقك أن تحزن.. أن تعزف لحن الوداع.. أن تبكي لكن من نوع آخر.
في عالمهم.. الموسيقى هي الحياة.. أما بالنسبة لها.. فصوته كان موسيقاها الخاص.. كان عالماً عجزت سمفونياتهم عن معرفة تفاصيله..؟!!
واقفةٌ هي من بعيد.. ترقبه صريعاً.. كانت الرياح عدوهما الوحيد في تلك المعركة الشرسة.. !!
من ذلك البعد.. كانت تتجه الرياح نحوها.. لتوصل صوت أنينه إليها..
علّهم عرضوا عليها المال أيضاً لتصبح من حزبهم الملعون !!
هو ممددٌ على الأرض.. درعه الممزّق... ويده التي فقدت أحد أصابعها..
جراحه التي تنزف.. ودمه الذي يأبى الرجوع إلى داخل جسده.. إنّه اتخذ مجرى آخر.. في عمقٍ آخر.. بين أعماق الصحراء.. فوق التراب..!!
لم يُسمع سوى صوت الرياح في هذه المرة.. عمّ الهدوء للحظات.. والذئاب كشّرت عن أنيابها..
إنها تزحف نحوه.. كان أكثرهم تعطشاً لنحره ذلك الأبقع..!!
بالرغم من جراحه.. والعطش الذي استولى عليه.. إلاّ أنه لايزال بقوة ارتباطه الروحي مع من في السماء..
ناجاه للمرة الاخيرة: "إلهي تركت الخلق طراً في هواكا.. وأيتمت العيال لكي أراكا "..
العيال..؟!!
دوى في أذنه صياحهم.. زوجاته وأطفاله.. وتلك التي تناجيه من بعيد.. كسرت حوافر خيولهم الصمت.. وصوت أحدهم: عليّ بالنار..
ضجّ الأطفال من خيامهم.. نساءٌ انتهك سترهنّ.. وطفلة جرى دمها ضريبة قرطها الذهبي ..
وذاك الذي سُحق تحت حوافر الخيل.. وآخر أشعلوا النار فيه.. وتلك التي تصرخ: عمتي زينب.. ماذا عنها ..!!
إنها مدللته..
يسمع وقع أقدامها راكضةً نحو عمتها ودموعها تتناثر مع الدماء المتطايرة ..!!
عمّ الهدوء مجدداً.. أطلقت صرخة نحوه.. كانت كفيلة لتحرك جسده المنهك.. كل شيء كان يحبه.. الأشجار.. الطبيعة.. الصخور.. حتى الشمس.. همّ زاحفاً نحوها.. إلاّ أنّ الأرض سحبته اليها.. فارتطم وجهه بعد خطوات معدودة.. محاولاته في الوصول اليها باءت بالفشل ..
عندما يشاء الله فقدرته الإلهيّة تفوق كل شيء.. !!!
صرخت باكية لمنظره.. لم تكن بحاجة كاميرا لتلتقط صوراً تذكرها به..
كانت مذكرتها تعرض صورها مع كل نَفَس.. !!!
سالت دموعها دون حسّ منها.. تذكرت ساعات الصباح تلك.. تذكرت نبرة صوته.. بقامته.. بسيفه.. بعمامته.. وبجواده المخلص..
تقدم نحوها قبّل جبينها وتمتم ناحية أذنها: أخية تحلّي بالصبر واعلمي ان أهل الأرض يموتون وأهل السماء لايبقون .
نفضت غبار لقاء الصباح بينهما.. ونظرت إليه.. ركضت نحوه وهي تتعثر بهمها.. سألته: أأنت أخي؟؟ نظر نحوها دونما إجابة.. فشفتاه الظمأى بحاجة الماء..
استولت لحظات من الصمت بينهما.. النظرات والبكاء كانا كل شيء ..
حدّثها بصوته المتقطع.. أخية ارجعي إلى الخيام واحمي لي عيالي وأطفالي.. قالها ثم التزم الصمت مجدداً..
احسّ بثقل الطلب عليها.. إنها وحيدة.. كيف لها ان تجمع خمسون طفل وطفلة.. تماماً كثقل سوط الأبقع على متنها.. زاجراً ايّاها لتترك الطعم لسيوفهم.. عبقت رائحة الموت في المكان.. رفعت بصرها نحو السماء إنها لاتملك غيره..
وبصوتها المتشحرج: "إن كان يرضيك هذا يارب فخذ حتى ترضى "..
اضافةتعليق
التعليقات