يدرك معظم الناس في الشرق الأوسط أن العنف المنزلي ضد النساء منتشر على نطاق واسع، غير أن الأمر نادرا ما يناقش علانية.
لكن في 31 يناير/ كانون الثاني، تغير شيء ما؛ فقد أثار مقتل طيبة علي، نجمة اليوتيوب العراقية البالغة من العمر 22 عاما، احتجاجات واسعة وسيلا من المطالب على وسائل التواصل الاجتماعي لإحداث تغيير في التشريعات والقوانين.
ويُزعم أن طيبة علي قد خنقها والدها تحت مسمى ما يعرف بـ "جرائم الشرف". وبحسب ما ورد حدث ذلك بعد أن حاولت الشرطة المحلية التوسط بين الأب وابنته. وقالت الناشطة في منظمة حرية المرأة روزا الحامد: "قُتلت طيبة على يد والدها بمبررات قبلية غير مقبولة".
وما زال مشروع قانون مقترح بشأن العنف الأسري ينتظر أن ينظر فيه من قبل البرلمان العراقي منذ عام 2019. بينما يفاخر الجار الأردن بأنه كان في مقدمة دول المنطقة في اتخاذ إجراء في هذا الصدد، وذلك بعد أن أصدر أول تشريع ضد العنف المنزلي في العالم العربي في عام 2008.
وتشير الأرقام إلى أن واحدة من كل أربع جرائم قتل في الأردن سببها العنف الأسري، وفي البيانات التي ستصدر هذا الأسبوع، وجد المعهد الجمهوري الدولي (IRI)، وهو منظمة استطلاعية مقرها الولايات المتحدة، أن 89 في المئة من الأردنيين ينظرون إلى العنف القائم على الجنس باعتباره مشكلة تزداد سوءا في البلاد.
لكن تحقيقا وثائقيا جديدا لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وجد أن إصدار القوانين لم يحرز شيئا يذكر لتحسين وضع المرأة الأردنية لأن تقاليد النظام الأبوي غالبا ما تتجاوز القوانين المدنية أو الجنائية.
يُظهر فيلم بي بي سي، "إساءة: النجاة من العنف الأسري في الأردن"، أنه رغم أن التعديلات الأخيرة على القانون التي جرت في عام 2017 قد ساعدت في تحسين الوضع نوعا ما، إلا أن العدالة لا تزال غير مضمونة لتلك النساء اللواتي تجرأن على مقاضاة المعتدين عليهن.
"القانون الجديد مليء بالثغرات"، كما تقول المحامية البارزة في مجال حقوق الإنسان، هالة عاهد ديب. وتقول إن القانون لا يحدد ما يشكل إساءة، وأنه إذا لم يؤثر العنف على حياة الضحية لأكثر من 20 يوما، فإن الجاني يواجه الحد الأدنى من العقوبة. وتزعم أن النظام بأكمله مكرس ضد النساء، اللائي غالبا ما يعتمدن مالياً على من يسيئون إليهن، لأن 18 في المئة فقط من القوى العاملة في الأردن من الإناث.
هذا جزء لا يتجزأ من الأعراف الاجتماعية، مما يعني أن المرأة التي تبلغ عن سوء المعاملة تتعرض للرفض من قبل عائلتها. "والدتك تحملت ذلك. لذا ينبغي عليك أن تتحملينه"، وفقا للمقولة السائدة في ذلك المجتمع.
وبطبيعة الحال لا يتفق الجميع مع هذا الرأي. "ضرب النساء مخالف للشريعة وضد الدين"، هكذا تقول امرأة في منتصف العمر متحدثة في غرفة مليئة بالرجال. عندما أبلغتهم أنها تقدم النصيحة للنساء اللواتي تعرضن للضرب في المنزل، قاطعها صوت واحد "إنهم يستحقون ذلك"، لكن على ما يبدو لاقى الصوت موافقة عامة.
وبدلا من السماح لهذا الرأي أن يمر مرور الكرام، ردت الدكتورة مريم محروم بسرعة وحزم. يعرض الفيلم بعد ذلك مناقشة مفتوحة حول اعتقاد الرجال أنه من الطبيعي التحكم في زوجاتهم "بصفعة أو اثنتين"، "لا شيء وحشي". وعلى ما يبدو فإن كلمة "وحشي" تعني ترك العلامات والأدلة المادية على العنف.
تعمل الدكتورة مريم في قرى الأطفال SOS، وهي منظمة غير حكومية دولية بدأت في استهداف العنف المنزلي في الأردن. وتوفر المنظمة المأوى للنساء المستضعفات، بالإضافة الى المشورة القانونية والعلاج. إنها تعلم أن المواقف بين الرجال هي أصل المشكلة. على حد تعبيرها، "يضرب العديد من الأزواج زوجاتهم معتقدين أن هذا ما يجعلهم رجالا، وليس لأنهم أشخاص سيئون".
في الأردن، يتم تشجيع النساء على الإبلاغ عن الإساءة وطلب المساعدة. وتنتج إدارة حماية الأسرة والأحداث التابعة للشرطة - وهي الأولى من نوعها في العالم العربي - مقاطع فيديو تعليمية وتوفر خطا ساخنا. ولكن كما يوحي اسمها، فإن الحفاظ على الأسرة هو الهدف الرئيسي، حيث يتم تشجيع النساء غالبا على العودة إلى المعتدي. يصور الفيلم امرأة شابة اغتصبها قريبها عندما كانت طفلة ثم تعرضت للضرب من قبل أفراد آخرين من عائلتها. تروي كيف أصرت إدارة حماية الأسرة والأحداث على عودتها إلى المنزل؛ لكنها رفضت.
إن هذه الأولوية للأسرة، وواجب المرأة في وضع الأسرة قبل سلامتها، أمران لا جدال فيهما. تم تصوير أحد الرجال في جلسة الدكتورة مريم لاحقا في المنزل، حيث تجعله زوجته يعترف برفق أنه يضربها عندما يغضب. كما تكشف أيضا عن التحديات التي تواجه أي تشريع عندما تقول إنها لن تبلغ أبدا عن أي إساءة: "نعتقد أنه من المعيب على المرأة الإبلاغ. لن أفعل ذلك، مهما حدث".
تعتقد الدكتورة مريم أنه لا يمكن محاربة هذه السلبية إلا بالتعليم، وهو ما ينعكس في برامج التوعية التي تنظمها في مجتمعها المحلي. يجب تعليم كل من الرجال والنساء حقوقهم: "أقول دائما إن ضرب شخص ما بمثابة قتل روحه. عندما يُضرب إنسان، ينكسر شيء بداخله".
يتابع الفيلم الوثائقي أيضا إحدى عملائها، المعروفة باسم سارة. ربما تكون قد نجت في الوقت الحالي من مصير طيبة علي، التي قتلها والدها في العراق، لكنها تعيش في خوف دائم. "زوجي يعتقد أنه يملكني. ما زلت أخشى أن أصبح أحد الأرقام ضمن إحصائيات جرائم القتل في الأردن". حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات