منازل ومقامات لا تعد ولا تحصى اصطفاها الله تعالى لأمير النحل علي أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه)، ذُكرت بقرائن قاطعة في الثقلين ، شَهدت لها جميع عوالم الحجب والغيب في الأرض والسماء.
أرشدنا إلى ذروتها وأعلاها منزلة شمس الشموس وغريب طوس الإمام علي بن موسى الرضا (صلوات الله وسلامه عليهما) ، عندما سأله المأمون العباسي يابن رسول الله أي فضيلة أعظم وأكبر لعلي في القرآن، فقال هي في (..وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ). أي كما جاء في بياناتهم (صلوات الله وسلامه عليهم) أن عليًا هو "نفس رسول الله وأخوه".
وهي عين مفاد قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي يوم بيعة الدار" يوم المنزلة" : {أَنْتَ مِنِّي بمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى، إِلَّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي} ، التي صدرت عنه وبتواتر في بدايات عهد الإسلام، تأمره ب "{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلْأَقْرَبِينَ}، ومنها أَنذر رسول الله عشيرته وخواص بني هاشم ، وأوصى صغارهم وكبارهم بالولاية والطاعة والتسليم لعلي رغم صغر سنه، وأطلعهم على ذلك المقام العظيم وهو مقام "أخوته معه"، وجعله في مقدّمة وصاياه ، وأخبرهم "أن مَن يشاركه في عبء وحمل تلك الرسالة والدعوة العظيمة ، يحظى بذلك المقام وبالمقامات الكريمة الأخرى (أخي وولي ووزيري ووصي ووراثي وخليفتي.."، "أخي وشريكي في أمري" ، فلم يجد النبي في ذلك اليوم من يستحقها فيهم سوى علي بن أبي طالب ، وكانت تلك التوصيات هي عين ونظير توصياته به في حجة الوداع في " غدير خم".
آخَى رسول الله عليًا (صلوات الله وسلامه عليهما وعلى آلهما) وبأمر من الله تعالى ،في أكثر من مرة، وأكثر من مقام ومناسبة ، قبل الهجرة وبعد الهجرة، ، في مكة المكرمة و أُحد وخيبر، وفي الطائف وفي المدينة المنورة وفي مواطن أخرى عديدة. وأخذ بيد عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهما وقال : هذا أخي ووارث علمي.
و"الإخوة" هنا لا يقصد بها "إخوة في النسب"، إنما هي "إخوة روحية ومعنوية "، وهي الأفضل شرفًا وقدرًا، منبعها واحد حسب عوالم النور وعوالم الأرواح.
و تعني "شقيق" أي تنشق الحقيقة إلى شطرين ، وإن كان أحد الشطرين مُقدّم على الآخر ، فمحمد سيد الأنبياء مُقدّم على علي سيد الأوصياء.
وقوله صلّى الله عليه وآله لعليّ صلوات الله وسلامه عليه: « أنت أخي في الدّنيا والآخرة » أي ان ما بينهما من صلة هو أخوة ومشاطرة ومماثلة ومشاركة في جميع المنازل والمقامات ، إلّا النبوّة خاصّة ، والعرب تقول للشيء : « إنّه أخو الشيء » إذا أشبه وماثله وقارنه.
تمثلت تلك الأخوة بين سيد الأنبياء وسيد الأوصياء صلوات الله وسلامه عليهما وعلى آلهما في عدة مراتب.
- منها : جعلت عليًا مُماثِلًا في النفس مع رسول الله صلى الله عليه وآله .بنص آية المباهلة ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ..) ، أختاره الله تعالى ورسوله من دون بقية المسلمين ليكون في منزلة (أنفسنا)أي نفس رسول الله صلى الله عليه وآله، كما جعل مصداق (الأبناء) هما الإمامين الحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهما )، ومصداق (نساءنا) هي فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها.
- ومنها: من جعلته مُضاهيه في الولاية بقوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ). وباتفاق الفريقين أنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه.
قال النبي :" اللهم إن أخي موسى سألك فقال: ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾
إلى قوله : ﴿ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾ فأنزلت قرآنا ناطقا { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا ..} اللهم وأنا محمد نبيك و صفيك فأشرح صدري و يسّر لي أمري وأجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري".
قال أبو ذر : فو الله ما أتم رسول الله(صلَّى الله عليه و آله)هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال : يا محمد اقرأ: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾.
-ومنها : من جعلته نظيره في العصمة ، بدليل آية التطهير ، قال الله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ). أجمع المفسّرون من الفريقين وأئمّة الحديث في الصّحاح والمسانيد أنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم.
ومنها :من جعلت عليًا مُشَاركه صلّى الله عليه وآله في الأداء والتبليغ ، بدليل تبليغه سورة براءة دون غيره من الصحابة، كما جاء عن أبي رافع قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر ببراءة إلى الموسم فأتى جبرئيل فقال له: إنه لا يؤديها عنك إلّا أنت أو رجل منك، فبعث عليًا في أثره حتى لحقه بين مكة والمدينة، فأخذها فقرأ على الناس في الموسم).وقال علي بن الحسين صلوات الله وسلامه عليهما : إن لعلي في كتاب الله اسما ولكن لا تعرفونه: قلت: وما هو؟ قال: ألم تسمع قول الله: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ..} هو والله الأذان..)
-ومنها أنّه صلوات الله وسلامه عليه نظير رسول الله صلّى الله عليه وآله في النّسب الطاهر الكريم ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أنا وعليّ من شجرة واحدة ، والنّاس من أشجار شتّى.).
وعن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله بعرفات ، وعليّ صلوات الله وسلامه عليه تِجاهه ، فأومأ إلَيَّ وإلى عليّ ، فأقبلنا نحوه وهو يقول : أُدنُ مِنّي يا عليّ فدنا منه ، فقال : ضَعْ خَمْسَك في خَمْسِي ، فجعل كَفَّه في كِفّه ، فقال : يا عليّ ، خُلقتُ أنا وأنت من شجرة ، أنا أصلُها وأنت فرعُها ، والحسن والحسين أغصانُها ، فَمن تعلّق بغُصنٍ منها أدخله الله الجنّة. يا عليّ ، لو أنّ أمّتي صاموا حتّى يكونوا كالحَنايا ، وصلّوا حتّى يكنوا كالأوتار ، وأبغضوك لأكبّهُمُ الله في النّار.
ومنها أنّه نظيره في الموالاة ، لقوله صلّى الله عليه وآله: مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه. (عن الرضا، عن آبائه صلوات الله وسلامه عليهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَأَحِبَّ مَنْ أَحَبَّهُ، وَأَبْغِضْ مَنْ يُبْغِضُهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ".
-ومنها :انه فتح بابه في المسجد كفتح باب الرّسول صلّى الله عليه وآله ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : سُدُّوا هذه الأبواب إلّا باب عليّ. وقال : ما أنا سددتُ أبوابكم وفتحت باب عليّ ، ولكنّ الله تعالى سدّ أبوابكم وفتح باب عليّ. / ثم قرأ " والنجم إذا هوى " إلى قوله: " إن هو إلا وحي يوحى "./ وفي رواية عن ابن عباس: سدوا هذه الأبواب إلَّا باب علي قبل أن ينزل العذاب).
- ومنها : أنّه صلوات الله وسلامه عليه نظيره في النّور قبل خلق آدم بأربعة آلاف عام ، وكان التسبيح والتقديس يصدر منهما لله عزّوجلّ. عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله تعالى منقبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق الله تعالى آدم سلك ذلك النور في صلبه فلم يزل الله تعالى ينقله من صلب إلى صلب حتى أقره صلب عبد المطلب ثم أخرجه من صلب عبد المطلب فقسمه قسمين قسما في صلب عبد الله وقسما في صلب أبي طالب فعلي مني وأنا منه لحمه لحمي ودمه دمي فمن أحبه فبحبي أحبه ، ومن أبغضه فببغضي أبغضه ".
- ومنها : أنّه نظيره في استحقاق الإمامة ، استحقّها كما استحق النّبيّ صلّى الله عليه وآله للنبوّة سواء، بدليل قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ) إلى غير ذلك من الأمور الّتي شابهه وناظره فيها.
وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله مكتوب على باب الجنة لا إله إلّا الله، محمد رسول الله علي أخو رسول الله. قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بألفي عام)./ وقال النّبيّ صلّى الله عليه وآله : إنّ عليّ بن أبي طالب أخي ، ووصيّي ، وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا. - وعن عبّاد بن عبد الله قال : سمعت عليًّا صلوات الله وسلامه عليه يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله ، وأنا الصّدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلّا كذّاب مُفترٍ ، صلّيتُ قبل النّاس بسبع سنين. /وفي رواية أخرى : صعد عليّ بن أبي طالب -صلوات الله وسلامه عليه -، المنبرَ يوم الجمعة ، فقال : أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يقولها بعدي إلّا كذّاب ، ما زلتُ مظلومًا منذ قُبض رسول الله صلّى الله عليه وآله ؛ أمرني رسول الله صلّى الله عليه وآله بقتال الناكثين : طلحة والزبير ، والقاسطين : معاوية وأهل الشام ، والمارقين : وهم أهل النهروان ، ولو أمرني بقتال الرابعة لقاتلتهم. /- وعن محدوج بن زيد الذهليّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لمّا آخى بين المسلمين ، أخذ بيد عليّ ، فقال : يا عليّ ، أنت أخي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ... الحديث.- وعن أبي سعيد الخدريّ ، قال : سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله عن قول الله تعالى : ( وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) قال : ذاك أخي عليّ بن أبي طالب. /-وجاء في تفسير علي بن إبراهيم:..
(عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: إذا كان يوم القيامة دعي محمد فيكسى حلة وردية ثم يقام عن يمين العرش، ثم يدعى بإبراهيم فيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار العرش، ثم يدعى بعلي أمير المؤمنين فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين النبي، ثم يدعى بإسماعيل فيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار إبراهيم، ثم يدعى بالحسن فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين أمير المؤمنين، ثم يدعى بالحسين فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين الحسن، ثم يدعى بالأئمة فيكسون حللا وردية فيقام كل واجد عن يمين صاحبه، ثم يدعى بالشيعة فيقومون أمامهم، ثم يدعى بفاطمة عليها السلام ونسائها من ذريتها وشيعتها فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم ينادي مناد من بطنان العرش من قبل رب العزة والأفق الاعلى: نعم الأب أبوك يا محمد وهو إبراهيم، ونعم الأخ أخوك وهو علي بن أبي طالب، ونعم السبطان سبطاك وهو الحسن والحسين، ونعم الجنين جنينك وهو محسن، ونعم الأئمة الراشدون ذريتك وهو فلان وفلان، ونعم الشيعة شيعتك، ألا إن محمدا ووصيه وسبطيه والأئمة من ذريته هم الفائزون، ثم يؤمر بهم إلى الجنة، وذلك قوله: " فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز" .
هذا غيض من فيض لم ينضب، في ما ذكر في الثقلين حول أخوة سيد الأنبياء الخالدة كل الدهور مع سيد الأوصياء.
لكن العجب العجاب، لماذا اجتمعت كل الأمة في يوم السقيفة بقيادة عجليها وسامريها، وتآمرت على اغتصاب حق علي "أخو رسول الله " ؟ّ!
اضافةتعليق
التعليقات