السؤال الذي يدور كثيرا في بالنا وهو أن كيف تغدو الحياة عندما يستسلم المرء باستمرار؟ وما الممكن أن يحدث؟ إن ما يحصل في الحقيقة هو أنه يصبح في حالة التسليم.
نستقل عن العالم الخارجي كمصدر رضا لأننا وجدنا مصدر السعادة بداخلنا، وتتم مشاركة السعادة مع الآخرين، الشخص المستسلم في العلاقات، طرف داعم ومتعاطف ومشجع وصبور ومتسامح ويصبح هناك تلقائية في تقدير قيمة الآخرين وقدرهم وفي مراعاة مشاعرهم. يتم التخلي عن الصراع من أجل السلطة، وأننا على «حق» وإثبات وجهة نظرنا. ويتطور لدينا سلوك تلقائي لا حكمي، فضلا عن تشجيع الآخرين على النضج والتعلم والتجربة وتحقيق إمكانياتهم الخاصة.
ويصبح هناك أيضاً تقبل سلس للآخرين. نشعر بالارتياح والحيوية ونزخر بالطاقة. وتتدفق أحداث الحياة بتلقائية وسلاسة، ولا نعود نستجيب للناس بدافع التضحية أو «التنازل» عن شيء ما للآخرين. وبدلاً من ذلك، نرى أننا في خدمة الآخرين والعالم من باب الحب وتتم رؤية أحداث الحياة بأنها فرص أكثر من أنها تحديات وتكون الشخصية لطيفة ومنفتحة ومستعدة للسماح بالرحيل والتسليم بدون توقف بسبب العملية الداخلية المتدفقة من الإلهام المستمر.
وبينما تتدفق العملية، نشعر بتحول داخلي يؤدي إلى شعور مستمر بالإمتنان والسرور والثقة بأهدافنا ويكون هناك عيش بالحاضر أكثر من الانشغال بالماضي والمستقبل. ونتخلى بثقة عن الحاجة إلى الدفاع وذلك لأننا استعدنا السلطة التي كنا نسقطها على العالم. ويكون هناك شعور داخلي بالقوة والحصانة يؤديان إلى سكون داخلي.
في البداية يكون هناك تعريف بالهوية من خلال أنا جسد، وبينما تستمر عملية التسليم تتجلى أمامنا فكرة: «أن العقل الذي اختبر الجسد وليس الجسد»، وكلما تم تسليم المزيد من المشاعر والمعتقدات يتحقق أخيرا الإدراك: «أنا لست العقل أيضاً، ولكنني ذلك الذي يشهد ويجرب العقل والمشاعر والجسد».
ومن خلال المراقبة الداخلية، يتحقق الفهم أن هناك شيء ما يبقى ثابت ولا يتغير مهما يحصل بالعالم الخارجي أو مع الجسد أو المشاعر أو العقل، ومع هذا الإدراك تأتي حالة الحرية التامة ويتم اكتشاف الذات الداخلية، الحالة الصامتة للوعي الكامن خلف كل حركة ونشاط وصوت ومشاعر، ويتم إكتشاف الفكر ليكون بعداً خالداً للسلام، وبمجرد ما نتماهى مع هذا الوعي لا نعود تحت تأثير العالم، أو الجسد أو العقل. ويأتي مع هذا الوعي هدوء داخلي وسكون وإحساس عميق بالسلام الداخلي، وندرك أننا طالما كنا نسعى إلى هذا ولكننا لم نكن نعرفه لأننا ضعنا في المتاهة.
لقد ساوينا أنفسنا عن طريق الخطأ بالظواهر الخارجية لحياتنا المحمومة - بالجسد وتجاربه، بالالتزامات والوظائف والمسميات الوظيفية والنشاطات والمشكلات والمشاعر، ولكننا الآن ندرك أننا الفضاء الخالد الذي فيه تحدث الظواهر، فنحن لسنا الصور الوامضة التي تلعب أدوارها الدرامية في شاشة الأفلام وإنما الشاشة نفسها - نحن الشاهد بلا أحكام على فلم الحياة المتكشف بلا بداية أو نهاية نحن اللانهائي بإمكانياته. وهذه الإدراكات التقدمية لطبيعتنا الحقة تحضر التربة للإدراك النهائي.
اضافةتعليق
التعليقات