ها أنا معكم اليوم لبيان خطورة غزو الثقافة الأجنبية لبلادنا الاسلامية، واستيلائها على مفاهيمنا ومثلنا العريقة، وتخديرها لأفكارنا بفكرها الاستعماري البغيض، وتشويهها لصفحة نتاجنا الاسلامي الذي هو مرآة حضارتنا العميقة.
ولنأخذ على ذلك مثلاً الرسم، فهو في حد ذاته شيء حَسِن وحَسِن جدًا، وقد خلد وخلد كثيرا ممن نبغوا فيه وأصبحوا عنوانًا لحضارات مختلفة توسعت في الرسم بشتى أنواعه وأشكاله من نحت، وتمثيل وتصوير، ولكنهُ في الوقت ذاته يطبع متتبعيه وهواته بطابعه الخاص؛ لأنه مرتبط بوجهة النظر العامة عن الحياة والكون والمفاهيم المأثورة عنها. فإذا أخذت خطوطه وقواعده عن فنان يؤمن بوجهة النظر المادية عن الحياة والكون ومدلولاتها الأخلاقية والاجتماعية، أصبحت الصورة مادية متحللة من القيم الروحية.
وأما إذا بُني الفن على وجهة النظر الصحيحة للحياة والكون، أصبح ناطقًا معبرا عن الانسانية السامية ومشيرا إلى المفاهيم الحكيمة العالية.
وكذلك الأدب بشعره ونثره، وهو الشيء الذي لا غنى عنه لتنوير أفكارنا وتهذيبها وابراز مشاعرنا وتنسيقها قد أصبح عند بعض الأدباء المتطرفين سلعة رخيصة تأخذ عن ال.أدب الغربي مباذله، وتكشفه ومن الأدب الشرقي باديته وانحرافه وكفره بالقيم والأخلاق الفاضلة الخيرة، وقد استحال بعض أدبائنا مع كل الأسف، إلى مترجمين وناشرين لا أكثر ولا أقل، أفكارهم غريبة عنهم بعيدة عن واقعهم ومجتمعهم تستهويهم الصيحة، وتطربهم نغمة، وتسكرهم رشفة فيغنون بأمجاد الأعداء وهم في غفلة ساهون. ويهللون للأفكار السامة وهم لا يكادون يفقهون منها شيئًا، وقد تشبعوا بالثقافة الأجنبية التي ادخلها الاستعمار إلى بلداننا منذ عهد بعيد وهي التي انحرفت بجيلنا الناشئ ذات اليمين وذات اليسار، وحرصت على تشويه انتاجاتنا الأدبية بكل أشكالها ونواحيها.
ومن جراء هذا الفهم الخاطئ للثقافة. وهذه الثقافة الدخيلة انتشر في ربوعنا مفهوم استعماري عدائي موجه نحونا نحن بنات الاسلام بالذات.
فشوهوا علينا دعوتنا لطلب العلم واستجاباتنا لدعوة الرسول إذ جعلوا من التعلم والسفور توأمين لا يفترقان.. فكأنما التعليم ليس بممكن إلا إذا برزت بغير غطاء في الوقت الذي يكون ذلك سهلا ويسيرًا، إذا طبق النظام الاسلامي وتطهرت معاهدنا من النفوذ الأجنبي وارتفع شبابنا عن وهدة الجنس وتسامى عن حضيض الرذيلة إذا عممت النظرة الخيرة وشاعت الفكرة الانسانية الفاضلة بين المجتمع الاسلامي.
وإذا اكتسبت فتياتنا شيئا من صمود أمهاتهن المسلمات وراجعن عهودهن الزاهرات أيام كن يعقدن النوادي الأدبية ويفحمن أعاظم الرجال من وراء حجاب، أيام كن يشهدن الحروب الدامية وهن كالزهرة في الأكمام لم يقعهن الخمار عن خوض الميادين، ولم يقعد بهن الخدر عن الانطباع بطابع الثقافة الاسلامية الصادقة، وما أحلى أبيات وردت عن لسان شاعرة نابغة تقول:
بيد العفاف أصون عز حجابي
وبمعصمي أسمو على أترابي
وبفكرة وقادة وقريحةٍ
نقادةً قد كملت آدابي
ماعاقني خجلي عن العليا ولا
سدل الخمار بلمتي ونقابي...
اضافةتعليق
التعليقات