أجيال بعد أجيال تنمو وتزدهر ولكل جيل منها خصائص، ومزايا وعيوب تبعاً لطبيعة العصر الذي ينشأ فيه، وكلنا يعرف هذه الحقيقة ولكن يبدو أننا غير قادرين على استيعابها استيعاباً كاملاً.
وجيل اليوم هو جيل التقنية الرقمية الذي لا يستطيع أن يعيش من دونها، هو الذي يقضي ما يزيد عن عشر ساعات يومياً يستخدم الشبكة لأغراض مختلفة.
وكلما تطورت تقنيات المعلومات والاتصالات وصنعت تطبيقات جديدة، ظهرت أصوات تنادي بمنع الشباب من استخدامها أو حجبها بالكامل لأضرارها الكبيرة على المجتمع.
ولكن هل هذا هو الحل الوحيد والناجع لكل مشاكل هذا الجيل؟ أهو ضمان سيره على طريق مستقيم؟
يمكن أن يكون ذلك هو الجواب الصحيح أو يمكننا اتخاذ هذه الخطوات.
- القبول بتطورات العصر: علينا أن ندرك أن تقنيات الاتصال وتطبيقاتها المختلفة هي واقع لا يمكن رفضه، وسيكون غائراً أكثر في حياتنا المعاصرة لدرجة أننا لن نتمكن من تكوين صورة عن العالم أو عن الإنسان بدونها، هذا هو الواقع، وهذا ما علينا التعامل معه، ومهمتنا إيجاد سبل التناغم، والنمو، والتعلم، والبناء فيه ومن خلاله.
- الحياة ذات سرعة جنونية: أن نألف حقيقة التغير السريع وهو ما يشكل تحدياً فائقاً للطبيعة الإنسانية، كما لو أننا نقف على حبل رفيع بحاجة إلى تركيزنا الكامل لكي لا نسقط، فتغير الأشهر بل الأيام يغير طبيعة الحياة كلها، العادات، الأفكار، القيم، ونحتاج صدراً رحباً ونفساً منفتحةً لتقبل هذه الحقيقة، الساعة لا تعود إلى الوراء، ولا نستطيع العودة إلى هدوء عالم الأجداد، وفي اللحظة التي نرغب في الهروب ستدوسنا عجلة الحياة.
- كَوِّن تصورك الخاص: لا بأس بالتجربة، جرب منتجات هذا العصر، اصنع فكرتك الخاصة، ليس مما قاله فلان، أو كتبه آخر، عندما تختبر الأمر تصبح أكثر قدرة على إصدار حكم متزن، والتعامل مع المواقف الطارئة، ودعم الصغار وإرشادهم بما يتفق واحتياجهم.
- انظر إلى الصورة الكاملة: رجاءً لا تنظر إلى الجوانب السلبية فقط، فبينما من المفيد للمجتمع تشخيص الآثار السلبية لأي تغيير يطرأ عليه، إلا أن النظر إلى الجوانب السلبية وحدها ليس أمراً حسناً، فكما جاءت تقنيات الاتصال بالويلات جاءت بقدرات هائلة لتحسين قطاعات الصحة والتعليم والعمل، وكسرت حواجز كانت منيعة، فما ساهم بدحض السردية الصهيونية التي تزيد عن ٧٥ عاماً من العمل المتقن هو التيك توك والإنستغرام، وما خلق فرص للدراسة والعمل لأشخاص في مناطق الصراعات والمناطق الأكثر فقراً هو هذه التقنيات نفسها، لذا يمكن القول إنها مجرد أدوات بيد من يستخدمها، ولكنها حتماً أدوات قوية.
- فرص الشبكة ثروة هائلة: العمل في العالم الرقمي هو عمل حقيقي ومثمر ولد نتيجة التغيرات المعاصرة، ومن يتأخر عن مواكبة هذا التغير سيخسر كثيراً، ومنع هذا الجيل من المشاركة سيعيقهم ويقهقرهم، فهو مثل أي عمل هناك الجيد منه والسيئ، الصائب والخاطئ، وهناك عمل مناسب لكل شخص حسب قدراته وميوله، فلا تدع الخاطئ منه يقضي على فرص إزدهار الشباب.
- اسمع من الجيل الحالي: تحدث معهم، ابن حواراً مستمراً، فبإمكانهم تزويدك بمعارف نافعة لا يمكنك إدراكها بالتجربة أو القراءة فقط، إنهم ينظرون إلى العالم بشكل مختلف، ولديهم قواعد مختلفة اختلافاً تاماً يسيرون عليها، يصنعون صداقات بشكل مختلف، ولديهم مجموعة مهارات مختلفة لم تمر عليك مثيلاتها.
- الهوية الرقمية ضرورة: الحضور على الشبكة مؤثر على الحياة اليومية، فوجود حسابات ذات وصول مرتفع ومحتوى قوي تزيد من فرص الفرد في القبول في جامعات مرموقة عالمياً أو الحصول على الوظيفة المرغوبة، فالهوية الرقمية غير منفصلة عن الهوية الذاتية، فهما امتداد لبعضيهما ومؤثرتان على بعضيهما بالقدر ذاته، وينظر لأولئك الذين لا يمتلكون هوية رقمية على أنهم رجعيون وغير قادرون على مواكبة ما يستحدث من تغيرات العصر وغير موثوقون في الأعمال البارزة في المجتمع أو المتقدمة تقنياً، كما إن العلاقات الإنسانية تتعزز عن طريق مواقع التواصل، أو تنشأ تماماً في البيئة الرقمية، ويمكن للأفراد اتخاذ قرار بناء هذه العلاقات من عدمه من خلال انطباعاتهم عن الهوية الرقمية للآخرين.
إنها مهمة شاقة تلك التي يفرضها علينا عصرنا السريع، فما أن نبدأ بفهم أمر ما حتى يتغير، وهذا ما يجعل التربية عصيبة وثقيلة للغاية فالآباء يشعرون وكأنهم يعيشون في عالم موازٍ ينظرون إلى أطفالهم وقد حبسوا في عالم شديد الغرابة وشرير، والأطفال ينظرون لآبائهم على أنهم قادمون من كوكب بعيد، ودون محاولات جادة سيستمر هذا الشرخ بالتعاظم، والعودة حينها ستكون صعبة في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، ودون جدوى مع بعض الواقعية.
اضافةتعليق
التعليقات