كان في السابق دور النساء يقتصر على المنزل والقيام بالواجبات المنزلية وتربية الأطفال لكن في العصر الحديث أثبتت النّساء عن جدارة استحقاقهنّ مشاركة الرّجال في المجتمع، ودخول معترك الحياة من الباب العريض، لما حققنه من نجاحات في مختلف مجالات العمل. من جهة أخرى، لا تزال إمكانيّة التوفيق بين الواجبات العائلية ومسؤوليّات العمل، حكراً على «الجنس اللّطيف» الذي برهن أنّه «العنصر الأقوى» بلا منازع في ما يتعلّق بالتّخطيط والتّنظيم والتّنفيذ والتحمّل... فكيف تبدّلت النظرة إلى المرأة في القرن الحادي والعشرين؟ ومن هي المرأة العصريّة العصاميّة؟
لطالما اعتُبرت المرأة عبر التاريخ، الكائن الأضعف الذي يحتاج إلى الرعاية والحماية والاهتمام، لكونه عاجزاً اقتصادياً واجتماعياً وعاطفياً، عن تكوين علاقات مثمرة، تمكّنه من الاستقلاليّة والرّيادة في سائر المجالات. بيد أنّ هذه المقولة قد دُحضت اليوم، بفعل الإنجازات الهائلة التي تمّ توثيقها في مختلف الميادين. إلاّ أنّ الفارق الشاسع ليس بالضّرورة إنجازاً مهولاً، وإنّما نقطة التحوّل تكمن في كيفيّة قدرة المرأة على التوفيق، بنجاح، بين سائر واجباتها ومسؤوليّاتها، وتحقيق ذاتها في آنٍ معاً. ذلك أنّ المرأة العصريّة بعيدة كلّ البُعد من الصّورة النمطيّة التي طُبعت بها كلّ فتاة منذ نعومة أظفارها، وتحدّد دورها ضمن نطاق العائلة والبيت الزوجيّ والاعتناء بالأولاد!
تتحدّث المعالِجة النفسيّة فالن فالنتين، عن دور المرأة الرّيادي المستقلّ الذي مكّنها من مشاركة الرّجل ومنافسته في ميادين العمل، عارضةً لتبدّل النظرة القديمة تجاه «الجنس اللّطيف». كما تُدلي ثلاث سيّدات عصريّات بشهاداتٍ عن حياتهنّ وكيفيّة تحقيقهنّ طموحات ونجاحات بعد تخطّيهنّ عقبات جمّة.
مجتمع عصريّ
يُقال إن «ليس كلّ ما يبرق ذهباً». انطلاقاً من هذه المقولة يمكن التأكيد أن ليست كلّ النّساء الناجحات في حياتهن وأعمالهن «محظوظات»! بل إنّهن مكافحات ومثابرات ومناضلات وصابرات ومؤمنات وعصاميّات، بحيث استطعن تحقيق نجاحاتهن بأيديهنّ، عبر بذل الجهود وتذليل العقبات وسهر اللّيالي، حتى غدت أحلامهنّ واقعاً ملموساً.
تقول فالنتين: «تكاد مواصفات المرأة العصريّة لا تُحصى، ولعلّ أبرزها الثقافة والرأي المستقلّ وقوّة الشخصيّة والتفكير المنطقيّ والطموح والثقافة وحبّ الاطلاع والتعلّم. فقد تبدّلت مع الوقت أولويّاتها، حتى استطاعت اليوم مساندة الرّجل، لا بل منافسته أحياناً في العمل والبيت والمجتمع».
فبعد القرار الشخصيّ والاستقلاليّة الماديّة، حققت المرأة دفعاً إلى الأمام مكّنها من متابعة حياتها ووضع طموحها نصب عينيها لبلوغ أهدافها، وذلك عبر إثبات ذاتها وتنظيم أمورها للتوفيق بين مختلف جوانب حياتها العائلية والعمليّة.
تشير فالنتين الى «أنّ المرأة «أضعف» من الرّجل من حيث التكوين البيولوجيّ فقط! وهذا الأمر لم يقف يوماً عائقاً أمام تحقيق رغباتها، إذ تتمتّع بالمقدرة نفسها في العلم والعمل والتربية، وتحترم التقاليد والأعراف وتربّي أولادها، ولا تقصّر في واجباتها، متى عرفت كيفيّة التنظيم والتخطيط وتقسيم أوقاتها ووضع سلّم أولويّاتها نصب عينيها».
تبقى المرأة «الرّكن الأساسيّ» في المنزل، فهي الزّوجة والأمّ والأخت والبنت قبل كلّ شيء، لكنّها أيضاً الصديقة والزميلة والمديرة والرائدة والشريكة! وهي اليوم شبه منخرطة في الميادين السياسيّة والاجتماعيّة والعمليّة والاقتصاديّة كافة، وتتبوأ أعلى المناصب وتشغل أهمّ المراكز.
يقال إن المرأة هي نصف المجتمع، والمرأة هي الأم والأخت والزوجة، ولكن ما لا يصدق هو أن المرأة العصرية، بحسب دراسات عالمية، بدأت تشعر بأنها لم تعد تتمتع بهذه الصفات والميزات بسبب المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقها، فوقعن أمام خيارين: إما الاستسلام أو التعامل مع هذه المشاكل، بشكل عصري.
في دراسة أطلقها معهد «آيرتون» البرازيلي، المتخصص بالدراسات الاجتماعية، كشف أن المرأة العصرية تشكو من أمور كانت تمثل حلماً بالنسبة للمرأة القديمة، وأضافت الدراسة أن 69 % من أصل 8 آلاف امرأة من مختلف الجنسيات، تم سؤالهن عن المشاكل العصرية للمرأة، أكدن أن وضع المرأة العصرية أصبح أكثر تعقيداً من السابق.
سيّدة عصاميّة
الإصرار والوعي والمبادرة والطموح من أبرز ما يجب أن تتمتّع به كلّ سيّدة عصريّة عصاميّة تحلم ببناء مستقبل أفضل لها ولعائلتها. تقول فالنتين إن «على المرأة العصاميّة أن تمشي واثقة الخطى بغية خوض غمار الحياة ومواجهة الصّعاب بعزيمتها وإصرارها واستعدادها الدائم لكلّ مفاجأة أو عثرة. كما أنّ الوعي الذاتي يمنحها قدرة التعلّم من أخطائها وإدراك نقاط ضعفها. وأخذ المبادرات ومعرفة اقتناص الفرص يمكّنانها من الحلول في المراتب الرياديّة على الدّوام. هذا بالإضافة إلى ضرورة تمتّعها ببُعد النظر ورؤية الفرص والاستلهام، حيث يرى الآخرون الصعوبات ويستسلمون».
قد تكون المرأة القويّة العصريّة «مُجبرة» بسبب الظروف القاهرة، على دعم عائلتها والتضحية لتأمين حياة أفضل لها، وهذا يقوّيها على الصعيد الشخصيّ، حيث تتمكّن من التفوّق على مخاوفها لتنتصر في النهاية. ومن جهة أخرى، قد تكون تجربة خاطئة دفعتها الى التحرّر من ظروف مفروضة عليها وتحدّي الواقع والانتفاض عليه.
دعم يولّد النجاح
تؤكد فالنتين أنه «لا يمكن أن ننكر الدّعم المطلق الذي يوفّره بعض الآباء وحتى الأزواج والعائلات لنسائهم، بحيث يكون هذا التشجيع والدعم المتواصل الخطّ السريع للوصول إلى المناصب العليا. فقد تبدّلت نظرة المجتمع والـStereotypes المفروضة على البنت منذ ولادتها، ولم تعُد فكرة البنت المتحرّرة مرادفاً «للضياع وقلّة الأخلاق والافتقار إلى الحشمة». فقد تغيّرت الظّروف والأسباب، وبات من الضروري أن تشكّل المرأة «فعلياً» نصف المجتمع، وأن تساند عائلتها وزوجها، وأن تحقّق طموحها وتكوّن شخصيّتها المستقلّة».
وتضيف: «يولّد الدّعم النجاح والازدهار العمليّ. فالجميع في حاجة إلى الاستمراريّة والمتابعة والمساعدة في بعض الأحيان. وهذا من أبرز سمات نجاح الزواج والعائلة والمجتمع والوطن. فطلب المساعدة من الشريك ليس دليل ضعف أو تقصير، وإنما هو ببساطة مشاركة للوصول إلى الأفضل».
أولويّات وتأقلم
إنّ نقص التركيز على المنزل والزوج والأولاد لا بدّ من أن ينعكس سلباً على كلّ سيّدة مهما أبدعت في عملها. إذ لا يجوز مطلقاً أن تتفوّق في قطاع معيّن على حساب قطاع آخر. من هنا أهميّة الموازنة بين مختلف ما تمثّله «المرأة». تنوّه فالنتين بأنّ «المرأة العصريّة هي تلك القادرة على التوفيق والتنظيم بين مختلف جوانب حياتها، عبر تقسيم واجباتها ومسؤوليّاتها، وتحديد أولويّاتها وترتيب جدول أعمالها لتتأقلم مع التغييرات المهولة التي قد تطرأ على روتينها اليوميّ». فربّة المنزل المثاليّة هي ليست فقط التي تطهو وتنظّف وترتّب، بل تلك التي تربّي جيلاً واعياً وتساعد شريكها وتبرز في المجتمع وتكون رائدة في مجالها... ولكلّ امرأة تحدٍّ معيّن تخوضه في حياتها، مع أولادها، في عملها وفي المجتمع!
وحددت الدراسة ست مشاكل رئيسة تواجهها المرأة العصرية بحسب مفهومها مع أنها تعتبر إنجازات من الناحية المنطقية:
أولاً: المهنة
71% من النساء اعتبرن أن عمل المرأة مشكلة رغم توافر الأجواء لها بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، فهن مازلن يرين أن هناك تمييزًا ضد المرأة في العمل من حيث تلقيها أجراً أقل بكثير من أجر الرجل حتى في الدول المتقدمة.
ثانياً: الأسرة
قديماً كانت هناك مجتمعات لا تقبل حتى بقدوم المواليد إناثاً، ولكن اليوم هناك قوانين تعاقب من يتذمر من قدوم العنصر النسائي، بل إن هناك عائلات كثيرة تحبذ قدوم مواليد إناث انطلاقاً من الاعتقاد بأن الابنة لا تجلب المشاكل التي يجلبها الابن للأسرة.
ثالثاً: الزواج
66 % من النساء أكدن أن الزواج قد تعقد بالنسبة للمرأة العصرية. ووصفت الدراسة ذلك بأنه حقيقة؛ فالزواج سابقاً كان أسهل بكثير من الوقت الحالي؛ إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن المرأة القديمة كانت تنتظر الزواج فقط، لكن المرأة العصرية تفكر في تحقيق أمور كثيرة قبل الزواج كالدراسة والتخصص وبناء سيرة مهنية، وهذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى فوات قطار الزواج عليها.
رابعاً: الاستقلالية
وصفت الدراسة استقلالية المرأة بأنها ضرورية جداً، لأن ذلك يساعد الرجل على تحمل نفقات الحياة جنباً إلى جنب مع امرأة عاملة. لكن ما يحدث هو أن نسبة كبيرة من الرجال مازالوا يرفضون الاستقلالية الكاملة للمرأة، وذلك لأسباب غريزية متأصلة فيهم حول دور المرأة الاجتماعي والعائلي.
خامساً: معايير الجمال
بدأت المرأة العصرية تواجه، منافسة قوية من حيث معايير الجمال فقديماً كان الجمال الطبيعي للمرأة هو المعيار الوحيد لتقديرها، ولكن الوضع تغيّر، حيث إن 63 % من النساء أكدن أن الجمال الطبيعي للمرأة في العصر الحديث يأتي في المقام الثاني، لأن ما يلفت النظر أكثر هو الجمال المصطنع المتمثل في مواد التجميل وعمليات التجميل.
سادساً: الحمل
رغم أن الحمل والإنجاب حاجة غريزية في المرأة، ولكن بعض مفاهيم العصر الحالي تمنعها من تحقيق هذا الحلم، ولكن طبقاً لـ 75 % من آراء النساء اللواتي شملهن الاستطلاع، يعتمد على المفهوم الشخصي والفردي للمرأة. وأضافت آراء أخرى أن الأوضاع الاقتصادية المعقدة قد تمثل حاجزاً أمام الرغبة في إنجاب الأولاد.
وبالختام في الحقيقه أن عدم العدالة منتشرة سواء من حيث إغفال قيمة عمل المرأة في المنزل وعدم المساواة في الأجور والتحديات التي تواجهها بسبب ثقافة المجتمع المتوارثة ولا يكفي مطلقاً أن نقول هذا غير مقبول إذا ما كنا فعلا نرغب بتحطيم السقف الذي وضع كحد لطموحات المرأة، ولا نستطيع إنكار أن المعايير الاجتماعية تضع قيوداً لما يعتبر سلوكاً مقبولاً وفي نفس الوقت تزيد من تضييق تصور ما هو مقبول وفقاً لهذه المعايير والأعراف تقدم النساء للرعاية بالآخرين وبدون أي مقابل أو ضمان لها، وبذات الوقت لا يمكننا أن ننكر أن هناك تغييراً واضحاً في بعض المواقف وجهوداً تبذل لأجل هذا التغيير، وهذا يشكل تحدياً يومياً بحمل هذه المسؤولية على عاتقنا كأشخاص مهتمون بأن نجعل مجتمعنا أكثر إنصافاً للجميع دون استثناء، بأن نساند وندعم جهود النساء اللواتي يحاولن كسر الجدران التي بنيت في طريقهم لتحد من نموهم وتطورهم هذه المساندة يمكن أن تخلق تغييراُ حقيقياً.
تقول امرأة تصف ما وصلت إليه بعد معاناة وتحديات وضعها المجتمع في طريقها “أنا فخورة بنفسي أعمل بكرامة وأعتمد على نفسي أنا فخورة وواثقة من نفسي”.
اضافةتعليق
التعليقات