الحياة تعلمني دروساً بالمجان، ولكن أنا غفلت عنها أو لا أكترث بذلك، أسير في طريقي وحيدا تتساقط عليّ الهموم ودائماً أشكو حالي ولما أنا هكذا لا يعجبني شيء، وأتساءل لما أنا فقير لا أقدر أن أشتري رغيف خبز، لما أرَ الجميع لديهم كل شيء، لما لم يحسبني منهم، لما يتساقط عليّ مطر الأحداث والمشاكل وتتشابك سلاسل امالي في الأجواء، لما الحياة مظلمة في وجهي.
وحينما أكملت سيري وأنا أشكو لما لم ارزق حلالا ومالا، لما لم أكن مثل هذا الطبيب وذاك المهندس وتلك المعلمة، ما زالت أتذمر، مررت بصديق لي وطلبت منه أن يكون معي، ثم قلت له: أنظر إلى هذه القصور والناس المبتهجين، لما لم نكن منهم وأين كنا، لما وزع الله هذه الأرزاق؟ فإذا بصديقي يشد بيدي ويسحبني إلى مكان ما وقال لي:
أنظر الى هؤلاء الناس. واذا بها مستشفى، كان تغصّ بالناس المرضى، قال لي:
أنظر أين كنا لما الله وزع الأمراض عليهم فاحمد ربك لما أنت فيه، ولا تطلب من الناس شيئا لم ترزق به، وإنما أطلبه من خالقك الذي لم ينسَ عبده في كل شيء. بعد ذلك كنا نسير في الطريق فقال:
اسمع مني هذه الحكاية لربما تستفيد منها وتفتح غفلتك المغلقة خلف أبواب أنت قفلتها بنفسك ولكن لا تعلم، وفيما أنا أفكر كيف أجلب المال للغد وكيف أعيش، فبدأ يتكلم صديقي فأنصت إليه.. قال:
يحكى أن حاتم الأصم كان رجلا فقيرا وذات ليلة كان يجلس مع أصحابه يتحدث معهم فتعرضوا لذكر الحج، فدخل الشوق قلبه، وأراد أن يحج فذهب وجلس مع زوجته وأولاده ليقنعهم بذلك، قال لهم:
ما رأيكم أن يذهب أبوكم إلى بيت ربه في هذا العام حاجا؟!.
فقالت زوجته وأولاده: نحن كما ترى لا نمتلك شيئا فكيف تريد أن تتركنا وتذهب إلى الحج؟! إلى منْ ستتركنا؟! وكيف سنأكل ونشرب؟!.
فقالت ابنته الصغيرة: ماذا سيحدث إذا وافقتم على سفر أبي للحج فإن الله هو الرزاق وهو منْ بيده الرزق، فهل إذا سافر أبي سيمنع الله عنا رزقنا؟!.
فقالوا: صدقت والله.
وافقت الزوجة والأولاد على سفر حاتم الأصم إلى الحج، وسافر وترك إلى أهل بيته أموالا تكفيهم لثلاثة أيام فقط، وكان حاتم الأصم يسير خلف القافلة المسافرة إلى بيت الله الحرام لأنه ليس معه من المال الذي يجعله يسافر مع القافلة.
وأثناء السفر أُصيب قائد القافلة المسافرة بضربة شمس فبحثوا عن شخص يعالجه، فتقدم حاتم الأصم وعالج قائد القافلة.
فقال القائد: إن مصاريف هذا الرجل ذهابا وإيابا ستكون عليّ وسأقوم أنا بدفعها.
فحمد حاتم الأصم ربه ودعاه سبحانه وقال: يا رب كما دبرت لي أمري فدبر أمور أهل بيتي وارزقهم.
وبعد مرور الأيام الثلاثة على أهل بيت حاتم نفذت الأموال والأكل والشرب، وفى اليوم الرابع بدؤوا يتضورون جوعا ومن شده الجوع كانوا يبكون، وبينما كانوا هكذا، كانت الأخت الصغيرة تبتسم.
فقالوا لها: لما تبتسمين الآن فأنت السبب في كل هذا وأنت منْ أقنعتينا بسفر أبينا.
فقالت: أنا أعجب منكن، لماذا تبكون؟! فقد سافر اكل الرزق وبقى معنا الرزاق.
وبينما هم في هذه الحالة طُرق الباب، فقامت الأخت الصغيرة وفتحت الباب، فإذا بشخص يطلب ماء لأمير البلدة، حيث خرج الامير في رحلة صيد مع جنوده وأصحابه ونفذ منهم الماء. فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء وقالت: الهي وسيدي سبحانك، البارحة بتنا جياعا، واليوم يقف الأمير على بابنا يستسقينا.
ثم أنها أخذت كوزا (وعاء صغير للشرب) جديدا وملأته ماء، فشرب الأمير منه فاستطاب الشرب من ذلك الماء .فقال:
أهذه الدار لأمير؟!.
قالت: لا والله، بل لعبد من عباد الله الصالحين عُرف بحاتم الأصم.
فقال الأمير: لقد سمعت به.
قال الوزير: يا سيدي لقد سمعت أنه البارحة احرم بالحج وسافر ولم يخلف لأولاده شيئا.
وعندما سمع أمير المؤمنين هذا الكلام حلّ الأمير منطقته من وسطه (وهي عبارة عن شيء يُربط على الوسط ومرصع بالألماس والأحجار الكريمة)، وقال لأصحابه: منْ أحبني فليحل منطقته؟!.
فحل جميع أصحابه مناطقهم وأعطوها إلى بيت حاتم الأصم.
وفي اليوم التالي ذهب إليهم احد الأشخاص وأراد شراء هذه المناطق، فاشتراها منهم وأعطاهم مقابل هذه المناطق أموالا ملأت بيتهم وتكفيهم حتى الممات.
فلما رأت الزوجة والأولاد هذا فرحوا فرحا شديدا، ولكن أختهم الصغيرة بكت بكاءا شديدا.
فقالوا لها: ما هذا البكاء إنما يجب أن تفرحي، فإن الله وسع علينا.
فقالت: انظروا كيف بتنا البارحة جياعا فنظر إلينا عبد من عباد الله فأغنانا بعد فقرنا.... فكيف إذا نظر إلينا رب العالمين؟!.
أرأيت يا صديقي أن الله لا ينسى عبدا من عباده فلا تقف المشاكل كحجر عثرة في طريقك فما عليك إلا أن تزيح هذه الحجر عن قلبك بالتقرب إلى المعبود إلى المعطي ومقسم الارزاق فارفع يديك كل يوم وأطلب منه كل ما تريد، ثق بربك وأعطه حقه مهما دار بك الزمان.
بعد ذلك احتضنتُ صديقي وشكرته كثيرا لأنه نبهني وعلمني دروس الحياة، فكان هو ورقة الرزق وأعظمه، حيث رزقني الله بهذا الصديق، فالحمد لله رب العالمين.
اضافةتعليق
التعليقات