جلست عند التلفاز.. اعد الثواني التي تفصلني عن مدفع الاذان، ابحلق في الساعة التي لا يتحرك بندولها ساكنا، اتوسل بالقناة التي تعرض الاذان، هيا اذّن اذّن، قتلني الجوع والعطش، اذّن.. بقيت على هذه الحالة حتى قال المؤذن الله اكبر.
فطرت على تمرة وشربت كأس الماء دفعة واحدة، حينها شعرت بأن الدم بات يسري في شراييني من جديد، قال لي ابي: ولدي ماذا تفعل بنفسك كل على مهلك ولا تشرب الماء على معدة خاوية.
اومأت برأسي بإشارات تدل على الإستجابة، واكملت فطوري، لدرجة اني لم استطع التنفس من كثرة التخمة التي شعرت بها.
صليت الفريضة ثم خرجت الى القهوة لآخذ نفساً من (الأركيلة) اعيد بها توازني، جلست عند رجل كبير في السن ملامحه كانت تدل على السكينة والوقار، نظر الي الرجل وقال: (ابني لا تكثر من شرب هالمدخنه، تره تضر صحتك). ابتسمت له وقلت: (حجي هي خربانه خربانه، شنو قابل ظلت على النركيله... اذا مامتت بالسرطان اول تالي راح اموت بانفجار).
ارتسم على ملامح الرجل حزن عميق، وكأن جملتي الاخيرة سببت له الماً كبيراً، حاولت ان افهم ما حصل فقلت له: (خير حجي؟ خو ماضوجتك بكلامي؟)، قال الرجل: (لا وليدي، بس ذكرتني بإبن اخويه الي مات قبل اسبوع بانفجار الكرادة!).
على الفور اجتاحني الماً في اعلى يسار صدري، قلت: (العمر الك حجينا، الله يحشره بالفردوس الاعلى، ويلعن الي جان السبب وياخذ جزاته بالدنيا قبل الاخرة)، وقبل ان اكمل جملتي بدأت ضحكات الرجل تتعالى في المكان، وكأنه اصيب بهستيرية الضحك، وبين صرخات ضحكته قال: (منو ياخذ جزاته بالدنيا قبل الاخرة؟، وليدي بعد الحبل ع الجرار، وتره الي يلعب زين محد يباوع على قميصه اذا جان نظيف او لا، المهم ديلعب خوش).
ارتحت الى هذا الرجل الكبير، كلماته كانت تحمل لوعة مما يحصل في الوطن العربي الان، انفجارات، انتهاكات، نزاعات داخلية وخارجية و و و، قلت له: (جا شلون حجي يعني ما تصفى؟)
قال: ( والله يا بوي ما ادري هيه الدنيا محتركه هسه، وناس دتاكل ناس بس تصفه ان شاء الله تصفه، بس شوكت الله اعلم يجوز قبل القيامة بنص ساعة)، وارتسمت ضحكة عميقة على وجه كلينا، فقلت: ( زين احنه ويا من؟).
قال: (احنه صايرين مثل الطفل المدلل الي لما يتعاركون هله يخاف يدافع عن امه حتى اهل ابو ما يزعلون منه ويكطعون عليه الحبشكلات، وبنفس الوقت يخاف يدافع عن ابو حتى اهل امه ما يكلبون عليه ويحرمو من اللعب ويا جهال خاله).
قلت له: (لعد وتالي شلون؟)، قال: (احنه نبقى بالنص على كولة عادل امام "شوية مع دول، وشويه مع دول" والعوض على الله وليدي). ثم اومأ الى النادل وقال له جدد أركيلة هذا الفتى على حسابي!.
اضافةتعليق
التعليقات