القصة الفائزة بالمرتبة الثانية في المسابقة الأدبية التي أقامها موقع بشرى حياة بمناسبة عيد الغدير
كان الجو مشمسا وجميلا ما زالت رائحة ذاك اليوم في مخيلتي أستطيع أن أشمها مهما كبرت، كنت ما زلت صغيرة ربما لم أبلغ الخامسة حينها.
ها هي أمي أسمع خطواتها تقترب من غرفتنا أنا وأختي، فتحت الباب وقالت بصوتها الحاني: صباح الخير يا نورا عيناي استيقظوا بسرعة إن اليوم مميز جدا لنخطط له كما ينبغي.
جلست متحمسة لهذا الخبر أخبرتها: أمي اليوم هو عيد الغدير أليس كذلك؟
أمي: أجل يا جميلتي إنه عيد الغدير.
وقفت فرحة وقلت لأمي: إذاً هل سنذهب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) مشياً على الأقدام ونبايع هناك.
أمي: لا أعلم، ربما أباك لن يسمح بذلك هذا العام، ولا أعلم لم كانت تبتسم حينها.
غضبت حقا حينها وخرجت إلى أبي مسرعة: أبي أبي هلا نذهب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا العام؟
أبي: لا يا فاطمة لن يذهب أحد هذا العام فإن الجو ممطر ألا ترين ..
في عمري الصغير لم أكن أعي ما يقال غير أني ذهبت مسرعة وفتحت النافذة لأرى المطر لكن الشمس كانت مشرقة وذرات الهواء تلامس خدي بكل حب، رجعت إلى أبي بسرعة فرحة وأنا أقول: ذهب المطر يا أبي وجاءت الشمس.
ضحك أبي وهمس في أذني: لا تقولي هذا أريد أن أفاجئ إخوتك. جاءت أمي بعد أن أيقظت أختي وأخي وجلسنا جميعا حول المائدة. كنت جالسة حزينة ولاحظت أن أمي وأبي ينظرون لبعضهما ويتبسمان.
مسح أخي على رأسي وقال لي: ما بك يا فاطمة؟ قلت له : لن نذهب هذا العام إلى الإمام علي (عليه السلام)؟
كان مصدوما: لماذا، أمي هل ما تقول فاطمة حقا؟
أمي: لا أعلم، اسأل أباك. رفع أبي رأسه ووضع يديه على الطاولة وقال لنا: حسنا، أخبروني لماذا نذهب؟
وقفت وقلت له: أبي، إنه أمير المؤمنين ويجب أن نذهب...
محمد: أجل يا أبي، إنه عيد الله الأكبر وإن من الجميل أن نري العالم أن هذا اليوم هو الذي بويع فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) خليفة لنبي الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
أبي: امم، حسنا ومن الذي أمر بذلك هل هو النبي أم أنه أمر منزل من السماء؟ ماذا يا فاطمة هيا..
فكرت قليلا وقلت له: إنه سؤال جميل يا أبي فليخبرك أخي بالجواب لكنه قال: لا لا، إنه سؤال جميل لخديجة.
ضحكوا جميعا وقالت خديجة أختي الكبرى: إنه أمر من السماء فقد أمر الله تعالى بذلك فقد أنزل قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ " عندما وصل النبي وجميع المؤمنين إلى غدير خم فقد رفع النبي يد الإمام علي وقال "من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه...".
أبي: أحسنت يا خديجة، بارك الله فيك.
وقفت فرحة: أبي هل سنذهب الآن؟
أبي تبسم وقال: نعم تجهزوا هيا..
أسرعنا أنا وأخي إلى تغسيل يدينا والوضوء فقد علمتنا أمي أن نتبرك بالوضوء قبل أن نخرج إلى أي مكان وقبل النوم، كنا نتسابق بيننا في هذا اليوم الجميل.
ما إن أكملنا جميعا قدم أبي رجله اليمني وقرأ دعاء الحفظ ودعاء الخروج من المنزل، وقال: هيا يا أولادي سموا بسم الله الرحمن الرحيم ولنبدأ رحلتنا إلى ولي الله.
أمسكت بيد أمي وبدأت تردد لي سورة الفاتحة حتى أتقنها أكثر وذهب محمد ليمسك يد أبي لم ألبث كثيرا حتى ذهب إليهم، أمسكت أنا أيضا بيد أبي وتركت أختي وأمي يتحدثون فيما بينهم ..
سمعت أبي يقول لمحمد: نعم إنها من وصية أمير المؤمنين لولده الحسن (عليهما السلام) وذلك في مكان يقال له حاضرين ويقول منها:
"ووجدتُك بعضي، بل وجدتك كلّي، حتى كأنَّ شيئاً لو أصابك أصابني، وكأنَّ الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي".
أي بني إن أمير المؤمنين يقول له أن أمرك يا ولدي يعنيني وإني أجدك كلي وكأن ما يصيبك يصيبني فبهذا يقدم له الوصية وإني يا بني أحبك جدا وأتمنى أن تتعلم هذه الوصايا من أبينا جميعا أب المؤمنين والمؤمنات أميرنا علي، حسنا لنكمل الوصية فيقول إمامنا لولده: "فإني أوصيك بتقوى الله ـ أي بُني ـ ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله وأيُّ سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن أنت أخذت به؟".
والتقوى أمر عظيم جدا وأن نكون من المؤمنين المتقين فهذا يعني أن نكون فخراً لإمام زماننا في هذا الوقت يا ولدي أن نلتزم بأوامر الله تعالى ونبتعد عما نهانا عنه وأن يكون قلبنا دائم الذكر لله تعالى ولأهل بيته (صلوات الله عليهم) فإن الله يحب ذكرهم، وما أجمل أن نتثبت بحبل الله تعالى الحبل الذي لا ينقطع أبدا وأهل البيت (عليهم السلام) هم السبيل الممدود من السماء إلى الأرض فبهم نتقرب لله تعالى أكثر فأكثر ونلهم العلوم والمفاهيم منهم لا من غيرهم فهم باب الله الذي منه يأتي يا ولدَي.
لم أستطع أن أصمت أكثر فقلت له: أبي، أخبرني أنا أيضا وصية.
تبسما أبي وأخي وقال لي: حسنا يا وردتي يقول إمامنا: "وألجئ نفسك في أمورك كلّها إلى إلهك، فإنّك تلجئها إلى كهف حريز، ومانع عزيز".
أي بنيتي أن نتوكل في أمورنا كلها إلى الله تعالى فهو أعلم منا فيما هو صالح لنا وغير صالح ولذلك في كل أدعيتنا نقول "اللهم افعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله "أي ربي افعل بنا ما تجده مناسبا لنا فأنت تعلم ونحن لا نعلم فإننا حين نضع أمورنا جميعها بين يديه فإننا نلجأ بها إلى كهف حريز أي ملجأ آمن وحافظ يحفظ لنا كل أمورنا.
أحببت ما سمعت كثيرا وقلت له: أخبرني المزيد يا أبي...
أبي: حسنا هذه من المقاطع التي يجب أن تحفظوها جيدا يا ولَدي يقول إمامنا:
"يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تَظلم كما لا تُحبّ أن تُظلم، وأحسن كما تحبّ أن يُحسن إليك".
قال محمد: أبي، أبي لأقول أنا ماذا يعني.
أبي: حسنا يا بني أخبرنا.
محمد: أي عندما أحب أن أتناول الفاكهة أحب أن تتناول أختاي معي وعندما أكون في المدرسة أحب لصديقي أن يكون مرتبا ومجتهدا كما أحب أن أكون كذلك، صحيح؟
أبي: أحسنت يا نور عيني، أحسنت...
في هذه اللحظة لاحت لنا قبة الإمام علي (عليه السلام) من بعيد، غمرتنا الفرحة والسرور كان الطريق زاهيًا بالورود فكل من نراهم كانوا حاملين باقات الزهور في أيديهم والأناشيد الجميلة تترنم في أذناي..
علي، علي مولاي
علي، علي مولاي
علي، علي مولاي
تلك اللحظات رأيت الدموع على خدي أبي وأمي وأنا كنت أشعر بالفرح كثيرا لماذا يبكيان؟ لا أعلم ما هي إلا لحظات وندخل حرم الإمام (عليه السلام) ..
اليوم وقد مرت إحدى وعشرون عاما علمتُ ذلك يا أبي علمت هذا السر في البكاء ...
ففي كل عام نجتمع أنا وإخوتي مع أزواجنا وأولادنا وأمي الحانية نتوجه إلى أميرنا ومولانا وما إن تقع عيوننا على ملامح قبته الطاهرة تنهمر عيوننا بالدموع بأن هنيئا لنا هذه النعمة بأن نكون من الموالين والمحظوظين بجوار ولي الله ونأتي لنبايعه بأنفسنا ونبايع حفيده صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف) بأننا معهم، معهم لا مع عدوهم..
الطريق موحش من دونك يا أبي ولكن أشعر في كل مرة بأنك ما زلت معنا تمشي أمامنا وتأخذ بيدينا وتعلمنا علوم ووصايا أهل البيت (عليهم السلام) في الطريق، لم ننسَ ما علمتنا إياه وها نحن نعلم أبنائنا ما علمتنا، فشكرا لجميل ما صنعت فينا، وشكرا لله على هذه النعم..
اضافةتعليق
التعليقات