أزمة تعريف عندما أسألك ما هو التفاح؟ ، ستجيبني فاكهة مدورة، زكية الرائحة، لذيذة الطعم، ذات لون أحمر أو أصفر أو أخضر، وربما ستضيف معلومات أكثر تفصيلاً إن كنتَ مزارعاً أو أحيائياً، ولكن بأي حال لن نختلف فيما تقول لأنها حقيقة موضوعية ثابتة وقابلة للإثبات.
تعال معي إلى إحدى قاعات الجامعات، أو إلى جلسة رفاق في إحدى المقاهي، أو ربما جلسة عائلية، واسأل ما معنى “حرية”؟ ما معنى “عنف”؟ ما معنى “تشجيع”؟ ما معنى “سعادة”؟ “الحب”؟ “السلام”؟ “التقبل”؟ “الحقوق”؟.
استمتع معي بشتى أنواع الإجابات التي لا تدل على أي شيء سوى إننا في فوضى عارمة فقد تقرأ مقالاً عن السعادة ولكن لن تفهم ما يعنيه المقال لأنك لا تعرف ما مقصد الكاتب عندما ذكر هذه المفردة، ويمكن عد سوء الفهم هذا أمراً بسيطاً لكن دعنا نتحدث عن مفردة عنف على سبيل المثال، بعض الأفراد لا يعتبرون العنف النفسي أو الاقتصادي عنفاً.
أو حتى لا يعدون العنف الجسدي الذي جاء نتيجة سهو أو تقصير أو أي خلل من طرف من وقع عليه العنف عنفاً بل تأديباً مستحقاً، لذا ضمائرهم لا تؤنبهم عندما يرتكبون ذلك، لطالما إنه لا يقع ضمن تعريفنا لهذه الكلمة فنحن نكاد أن نكون من المبشرين بالجنة.
وكلمات مثل “حب”،“حرية”، “سلام”، “تقبل” تسبب لي حساسية فكرية، فهي كلمات متسعة سعة المحيطات، يدخل تحت مظلتها كل ما هو خير، وكل ما هو شر، فلا تعريف دقيق لهذه الكلمات، فالتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب هو جسر من جسور المحبة والتقبل للآخر للعيش بسلام وكل فرد حر بالاقتناع بهذه الفكرة أو نفيها.
لا لستَ حراً أيها الوغد، فحريتك تنتهي عندما تحاول الإضرار بنفسك وبغيرك، فأنت تصادر حرية الطفل عندما تمنعه من الدخول إلى الفرن المشتعل مثلاً! عدم وجود تعريف بيّن متفق عليه يوضح كل شيء تفصيلاً للمفردات الجديدة والقديمة التي عادت إلى الواجهة بصبغة جديدة يؤدي إلى مفاهيم فضفاضة تحتضن كل السلوكيات العشوائيات التي لا طاقة للمجتمعات على تحملها، مما يسهم بعدم عمل الأنظمة الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية والسياسية عملاً متزناً يحقق مقاصده، وستعم الفوضى التي لا يسهل تنظيفها كما لو أن أحدهم نثر كيساً كبيراً من الطحين على مروحة.
نحتاج إلى توحيد تعريفنا للمفاهيم التي تحدد قراراتنا الكبرى، فالأمم المشتتة حتى من حيث تعريفها للمفاهيم هي أمم متخبطة، لا تستطيع أن ترسو على بر الأمان، لأن تعريف “الأمان” متباين من فرد إلى آخر، وتسير أممنا اليوم في منعطفات تأريخية حرجة، فمن الأجدر بالمفكرين اعتلاء عروش التأثير وبناء قواعد رصينة للأفراد، كما أن على المؤسسات إيجاد بيئات تشجع الحوار وإعمال الفكر فيما يوحد الأمة ويوجهها.
اضافةتعليق
التعليقات