لقد سمعنا كثيرا أن للعلاقات الاجتماعية دورا كبيرا في بناء شخصية الانسان وصناعتها ولها تأثيرا واضحا على جوانب مختلفة من حياته ولكن هل هذا الأمر حقيقي أم مجرد تنظير؟.
نقصد بالعلاقات الاجتماعية دائرة العلاقات التي تحيط بالفرد بحيث يكون مؤثرا ومتأثرا فيها، سواء كان الأمر بصورة سلبية أو إيجابية.
والأمر الجدير بالذكر أن مدى تأثير العلاقات تعتمد على نسبة قرب الانسان الجسدي والمعنوي من هذه العلاقة، فتأثُير الوالدين يكون كبيرا مقارنة بتأثير العم أو الخال، وتأثير الصديق الذي نلتقي به يوميا يكون أكبر مقارنة بزميل العمل، وأحيانا يكون تأثير الصديق أكبر من تأثير الوالدين بسبب قربه المعنوي من الإنسان وهكذا.
وهنالك من يدحض تأثير العلاقات على حياة الانسان ويجد الانسان فردا حرا مسؤولا عن نفسه وتصرفاته ولا علاقة للآخرين لما يبدر منه من سلوك وتصرف، وهذا الأمر غالبا يتعلق بالفكر الغربي الذي لا يحسب حسابا للسلوكيات ولا يمتلك خطوطا حمراء بما يتعلق بالأفعال المحرمة، والشاهد على ذلك هي إحصائيات الخيانة والتفكك الأسري وحالات الانتحار والمخدرات... الخ.
وحتى أفلام الهوليوود تنقل حالات عن مجموعة أفراد يستدرجون صبيا تحت مسمى الصداقة الى الحانات ويجعلونه يحتسي المشروبات الكحولية ويقوم بأفعال غير مشروعة!.
ثم يقول الغرب بأن هذا الصبي هو المسؤول عن تصرفه ولا علاقة لأصدقائه بذلك! فهل هذا الأمر صحيح؟
الانسان هو المسؤول عن قراراته لكن المؤثرات تلعبا دورا كبيرا في عملية اتخاذ القرار، فلماذا نعرض أنفسنا لهذه المؤثرات ثم نحتار في اتخاذ القرار الصحيح؟
الدين الإسلامي قدم للبشرية الوقاية قبل العلاج، فلإنسان العاقل يأخذ الوقاية كي لا يتعرض إلى السقم ويتألم ويضطر أن يبحث عن العلاج!
فإذا نظرنا إلى المجتمع المؤمن نجده بأنه يرى العلاقات الاجتماعية على أنها واجهة الانسان ومرآته... فاذا أراد أن يتعرف على شخص ما ينظر الى دائرة العلاقات من حوله، وهذا ما يحدث عندما يتقدم شخص الى خطبة فتاة فيسأل الأهل عن أصدقائه واقاربه ودائرة علاقاته وممن حوله من الناس، لأن المجتمع يؤمن بأن الانسان هو وليد علاقاته وروابطه الاجتماعية، فإذا كان صالحا خالط الصالحين وإذا كان فاسقا خالط الفاسقين..
لكن كيف آمن المجتمع بهذه الفكرة ومن أين جاءت جذورها؟
بالطبع كل فكرة يجب أن تخضع لمصداق حقيقي حتى يؤمن الناس بها ولعل من أكبر المصاديق التي لا يمكن ان يعلى على كلامه هو امير المؤمنين (عليه السلام) الذي أكد على أهمية مجالسة الاخيار من الناس في قوله:
"مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، ومجالسة الأخيار تلحق الأشرار بالأخيار... فمن اشتبه عليكم أمره، ولم تعرفوا دينه، فانظروا إلى خلطائه، فإن كانوا أهل دين الله، فهو على دين الله، وإن كانوا على غير دين الله، فلا حظ له في دين الله".
وهنا يبين المولى أهمية اختيار الجلساء ومدى تأُثيرهم على شخصية الانسان وصناعتها، فهنالك حالات كثيرة امتازت بشخصية إيجابية وصالحة ولكن اختلطت ببيئة مدمرة وصنعت علاقات سامة مع شخصيات سلبية وغير صالحة ومع مرور الزمان تأثرت هذه الشخصية وأصبحت نسخة ممن اختلطت بهم.
فالصحبة الصالحة قادرة على انتشال الانسان من النار الى الجنة، والصحبة الفاسدة تفعل العكس تماما، حتى وإن كان الانسان صالحا وأدعى بأنه يستطيع السيطرة ولن يتأثر سيتأثر تدريجيا ويتغير دون أن يشعر بذلك.
وإن كانت مقاومته كبيرة تجاه المنكر فالتأثير لن يتم ملاحظته بشكل مباشر بل يأخذ الأمر تدريجيا بطريقة لا يشعر بها الانسان... فقطرة الماء المستمرة قادرة على ثقب الحجر!، فكيف بالإنسان؟
لهذا السبب حذرنا الامام من مجالسة الأشرار واجتنابهم وأكد على نقطة مهمة وهي أننا لو اشتبهنا في أمر شخص ما يمكننا التأكد منه من خلال النظر الى دائرة علاقاته فاذا كانوا أناس خيرين فهو منهم وإذا كانوا غير ذلك فهو مثلهم أيضا.
وقد صنفت العلاقات وفق تشخيصي إلى نوعين:
١-العلاقات البناءة
٢-العلاقات الهدامة
إن الإنسان الذي يهتم ببناء ذاته يجب أن يركز في اختياراته وعلاقاته مع الاخرين، لأن هنالك علاقات هدامة لشخصية الانسان وعلاقات بناءة، فمثلما هنالك علاقات اجتماعية ترفع الانسان وتعلي من درجته وتسمو بأخلاقه وتقربه من الله تعالى هنالك أيضا علاقات تدمر الانسان وتهدم بنيته النفسية والصحية والأخلاقية، إذ أن هنالك علاقات تدعى بالعلاقات الهدامة التي تهدم شخصية الانسان وتضر دينه وقد تؤدي بصاحبها إلى أمراض عضوية مثل آلام المعدة والقولون العصبي والصداع التي تكون ناتجة من اضطرابات نفسية.
وأحيانا يخسر الانسان دينه واخلاقه نتيجة هذه العلاقات التي تتعب كاهل الانسان وتسحب منه طاقته في أفعال غير مشروعة دون أن يشعر.
فالضرر غالبا لا يكون على مصير الانسان من الجانب المادي فقط بل هنالك جوانب روحية واخلاقية من حياة الانسان ستتأثر بهذه العلاقات ويدفع ثمنها غاليا.
فبعض الأهالي الذين لم يسألوا ويتحققوا عن جلساء الخاطب وزوجوا ابنتهم وبعد فترة اكتشفوا بأن ذلك الرجل ليس صالحا ويرافق امثاله من رفقاء السوء ألن يكون مصير ابنتهم مليئا بالأذية والمعاناة؟
او الشاب الذي يرافق أصدقاء سيئين ألن ينجرف معهم في بحر الآثام والمنكرات؟
لهذا السبب ركز المولى على أهمية اختيار الجليس فاختيار الجليس لا يقتصر على اختيار الأصدقاء، بل اختيار الزوج والزوجة ورفيق السفر والشريك والصديق...الخ.
لماذا نتجنب العلاقات الهدامة؟
من أجل الدين: الانسان المتدين إذا خالط غير المتدين سينظر الى كبار ذنوبهم وكبار ذنوبه ويقارنها مع بعضها، فيجد بأن كبار ذنوبه هي لا شيء أمام أصغر ذنب يفعلونه هم، فيستخف بأعماله السيئة وتصغر بعينه ذنوبه ويبدأ ينجرف شيئا فشيئا ولا يشعر بنفسه إلاّ وهو غارق في وحل المعصية.
أما الإنسان الذي يخالط المتدينين والصالحين سيجد نفسه قريبا من الله معهم لأنهم سيعينونه على دينه وينبهونه على الواجبات والمستحبات، وكلما قارن نفسه بهم استحى من أعماله ووجد نفسه مقصرا وسعى لأن يكون مثلهم وأفضل منهم حتى.
من أجل النجاح: الانسان الطموح يكون دائما مشغولا في العمل على تطوير نفسه واستغلال وقته في كل ما ينفع نفسه وينتفع به غيره فإذا جالس السفهاء سيضحكون على الجهد الذي يبذله وسيسخفون بعمله وسيشعر الانسان بأن ما يقوم به ليس مهم وسيبثون فيه روح التكاسل فيتراجع شيئا فشيئا وتصبح حياته مثلهم لهو ولعب، وهؤلاء الناس تحديدا لا يحبون ان يروا الاخرين ناجحين في حياتهم لهذا السبب فهم يسعون دائما إلى نخر عزيمة الاخرين وتحويلهم الى أناس فارغين مثلهم تماما، وأصل هذا الموضوع يعود الى الغيرة وعدم حب الخير للناس.
اما الإنسان الذي يختلط مع الناجحين والطموحين دائما سينظر إلى ما يقدمونه ويستمد منهم الطاقة ليقدم المزيد وسيحفزونه على تقديم الأكثر والأفضل.
من أجل الصحة: الانسان الذي يخالط السلبيين وغير الصالحين سيعاني كثيرا بسبب كلامهم وطريقة حياتهم وستتعب صحته النفسية معهم وسينعكس ذلك على صحته الجسدية وتبدأ الأمراض تأخذ طريقها في حياته، بينما الانسان الذي دائرة علاقاته مع الصالحين والناس الإيجابيين سيكون مرتاحا ويطول عمره ويشعر بالسلام الداخلي مع من حوله.
كيف نتجنب العلاقات الهدامة؟
والآن بعدما عرفنا الأسباب التي تجعلنا نتجنب العلاقات الهدامة يجب أن نعرف الخطوة التالية والأهم وهي كيف نتجنب هذه العلاقات؟؟
هنالك علاقات مختارة وعلاقة مفروضة، العلاقات المختارة تمثل علاقاتنا مع صديق أو زوج مثلا.
أما العلاقات المفروضة فتمثل علاقات العمل والاقارب... الخ.
الافراد الذين يشاركوننا حياتنا كعائلة او يشاركوننا بيئة العمل لم يكن لنا يد في اختيارهم وأنهم مفروضون علينا وأننا لا نملك اختيار وجودهم أو عدمه في هذا المكان، لكننا نمتلك خيار رسم الحدود بيننا وبينهم، ففي حال كان الأفراد الذين يعملون معنا في نفس المكان لا تنطبق عليهم الصفات الذي ذكرها الإمام علي في حديثه لذلك يجب اجتنابهم وعدم الاختلاط بهم إلا للضرورة القصوى وحسب العلاقة التي تجمعنا بهم...
فلو كان أحد الأقارب شخصا فاسدا لا بأس أن نلتقي به في التجمعات العائلية لصلة الرحم ولكن مع رسم حدود لهذه العلاقة بأن لا تتعدى الجمعات العائلية ولا نحتاج أن نلتقي به يوميا في المقهى بحجة صلة الرحم!، هنا يجب ان نثبت حدود العلاقة مع كل شخص في حياتنا.
وزميل في العمل مثلا كان رجلا غير متدينا وغير سويا في تعاملاته، طبيعة العلاقة معه يجب أن ترسم وفق حدود ثابتة في وقت الدوام فقط وبما تقتضي متطلبات العمل، وعدم توسعة شبكة التواصل معه خارج العمل... هنا يعني أنى رسمت حدودا خاصة مع من حولي.
فالإنسان منذ لحظة ولادته وحتى لحظة موته في عملية بناء مستمرة سواء كان بناءً فكريا او دينيا او ثقافيا أو غير ذلك، لهذا السبب يجب ان يركز جيدا في محيطه والأشخاص الذين يختلط بهم فعملية البناء تحتاج الى مساعدة الاخرين ويحصل ذلك من خلال علاقات بناءة تساعد الانسان على بناء نفسه وسموه نحو العلا.
لهذا السبب يجب ان يكون الانسان فطنا في اختيار الأصدقاء والجلساء وبصيرا في معرفتهم وأن يعرف جيدا مدى انعكاس ذلك على مختلف جوانب حياته.
اضافةتعليق
التعليقات