اختلفت مجتمعات الرب البشرية باختلاف أجناسها وأعراقها وطُرق العيش التي اعتمدتها، مُتكلة بذلك على مُعطيات الحياة وما حملتهُ لها من نعومة أو خشونة تتماشى مع سُلّم التطور المُلائم لها ومع الرسالة المعنوية التي لابد لها أن تؤدى فيهم وبهم.
ولكن الإنسان كان جهولاً.. فقد حمل الأمانة بلا بصيرة، تلك التي دعتهُ إلى التعايش على وتيرة القبول والتقبّل لمخلوقات الله المختلفة لتنمو الأرض وما عليها كما تريد السماء، ولكنّه اعتمدَ مبدأ (نبذُ النقيض والتبجح بالنظير) ظنّاً منه بأن سُلالتهُ قد اختيرت للخلود وقد خابت من دونهِ كُلُّ السلالات الأخرى.
فمنذُ أن نبذَ قابيل أخاه الذي تناقضَ معهُ بالهوية والسلوك وتزمّت بوجوده على وجه المعمورة، حتى فاح عطرُ العنصرية في أرجاء التاريخ وتنقّل بين الغرب والشرق بأريحية مُريبة حاملاً معهُ جرائم لا تُغتفر وإبادات عرقية وجنسية لا تُدرج تحت بند الإنسانية على الإطلاق.
فبدءاً من الغرب وعدائه ضد الفئة السوداء من المجتمع والذين انحدر بهم الحال إلى جعلهم فئران للتجارب العلمية، ومنهم من رام إلى تجميعهم ضمن أقفاص حديدية ليكوّنوا بوجودهم أول حديقة حيوان بشرية وكان ذلك في سنة 1958 في مدينة بروكسل، ولم يكن هذا العداء محض صدفة بل انحدر من القوانين الساخطة التي وضعتها قوى العالم العظمى كقانون الأبارتهايد الذي أطُلق من قبل السلطة البريطانية المستوطنة للأراضي الأفريقية والذي ينص على حرم الشعب الأسود من جميع حقوقهِ على أرضه.
ولم يكن الغرب هم المتهمين الوحيدين بمسألة العنصرية والتمييز العرقي بل تجذّر هذا النهج في الشرق منذُ عصور الجاهلية الأولى، فكان ما ذكرهُ القرآن من مسألة وأد البنات هي أقل المسائل وطأة على الأسماع، فقد اجتازت شناعة الظلم في تلك البقاع حد المعقول حتى أصبح العبيد فيها طُعماً للأسود لينال سادة القوم فرصة التفرّج والتصفيق للأسد الأقوى متجاهلين مباراة زهق الأرواح التي حدثت أمامهم، وقد حمل التاريخ الكثير الكثير من الصفحات الدامية والتي تعنونت بعنوان السيادة القانية.
قد يكون طرح العنصرية هو طرحٌ قد استهلكَ من قبل الكُتّاب والجمعيات الإنسانية، والتي برزت شيئاً فشيئاً من بعد الثورات الفكرية التي جرت على يديّ أبرز القادة في الزمن المُعاصر مثل نيلسون مانديلا وغاندي وغيرهم من قادة العالم الآخر.. ولكن من هم قادة الوحدة في العالم الإسلامي؟ وهل سبقوا نداءات الوحدة الغربية؟ وما هو الفرق بين حركات الوحدة الغربية والإسلامية؟
أقرَّ مجلس حقوق الإنسان في الخامس والعشرين من تموز في سنة 2002 برنامج عمل ديربان (وهو برنامج يختص بمكافحة العنُصرية والتمييز العنصري) والذي عُقد في أفريقيا لإعلان نبذ التفرقة على الصعيد العالمي، ولكن الصوت كان بلا مبدأ والقرار كان محض اتفاقاتٍ سياسية، فقد عانت المجتمعات الملوّنة هتكاً مبطناً للذات والذي زحف للعلن شيئاً فشيئاً حتى بات ظاهراً للعيان، ففي شهر أغسطس من عام 2017 ظهرت حركة اليمين البديل) alt-right) والتي هتفت إلى طرد الأقليات الجنسية والعرقية من الولايات المتحدة حتى تبعتها حركات وهتافات جريئة ضد فئات المجتمع المختلفة، ولكن ما السبب؟
إن استمرارية أي مبدأ مُستحدث أو حركة هادفة يحتاجُ في ذاتهِ إلى "عقيدة" إما بالحركة ذاتها أو بالمحرّك الأساسي لها، فالعقيدة هي الأرضية الخصبة التي تنمو عليها المبادئ الإنسانية حاضراً ومستقبلاً، وهذا ما ارتكز عليه المفهوم الإسلامي الذي نفى العنصرية بالعقيدة ولم يكن مجرد هتاف تحركه السياسة، فمنذُ أن بُعث الرسول الأكرم (ص) بالرسالة عمل على مزج المجتمع على أسس عقائدية تقوم على التقوى وهي في حقيقتها التمسك بإرادة الله "فلا فرقَ بين عربي و أعجمي إلا بالتقوى" وهذا المبدأ إن كان قصيراً في صياغته إلا أنهُ امتد إلى أربعة عشر زمن بعد رسول الله (ص) ووصولاً إلى يومنا هذا ولم يتبدد أبداً.. لكونه نما في البيئة المناسبة ولكنّه اكتسى صوراً متعددة، فكان موقفاً في عصر علي (ع) وعهداً في عصر الحسن (ع) وقياماً في عصر الحُسين (ع) ودعاءً في عصر السجاد (ع) ومدرسة في عصري الباقر والصادق (ع) وإحساناً في عصر الكاظم (ع)وسيادة في عصر الرضا(ع) وإعجازاً في عصر الجواد (ع) وتكتيكاً في عصري الهادي والعسكري(ع) واختباراً في عصر الحجة (عج)، فمنذُ أن ارتقى مبدأ الوحدة الإسلامي على مراتب الوجود حتى باتت الحركات الفارغة تشن هجماتها الناعمة على عقول المسلمين محاولة أن تقضم عقائدهم بتكتيكٍ خفي معللة بأن الوحدة يجبُ أن تتجردُ من القضايا الدينية لتكون عالمية، وهذا هو وباءُ العصر الحديث, فقد تسللت هذه الأفكار إلى شيوخ المجتمع وشبابهم حتى أصبح مبدأهم هو (لا فرق بين عربي و أعجمي إلا بنفي العقائد الدينية والعيش على أرصفة التعايش)، فقد اعتقدت المجتمعات بأن الدين يعزز العنصرية بين الشعوب متناسين بأنهُ" جعلكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" على أساس معرفته، فلا يُعرف البشر بغير معرفة الخالق ومعرفتهُ تكمنُ في العقيدة بوسائلهِ والإيمان المُطلق بقضاياهم... فالوحدة من غير دينهَ غابة.
اضافةتعليق
التعليقات