الكتاب من تأليف الكاتب جيرالد الذي يعمل منذ عدة أعوام في إنشاء مركز لتقويم السلوك في منطقة علاج السلوك بخليج سان فرانسيسكو ونشأته في رعاية منشآت أخرى لمراكز لها نفس التخصص .
وكتابه الرائع "الحب يبدد الخوف" يعد اليوم من الكتب الشهيرة بتطبيق الروحانية على مدار نصف قرن.
قسم المؤلف كتابه إلى مقدمة وسبع فصول وخاتمة تناول من خلالهم جذور التعاسة وما هو التسامح والعقل غير المتسامح وعشرون سببا رئيسيا لعدم التسامح وكيفية التخلص من العقبات التي تعوق وصولك للتسامح ومعجزات التسامح والسمو إلى التسامح.
"بداية يعتبر التسامح من أهم الدروس التي ينبغي علي أن أتعلمها لذلك فقد كتبت هذا الكتاب لنفسي لأتذكر بأنني أود بالفعل أن أنهي المعاناة التي سببتها لنفسي وللآخرين بسبب إصداري للأحكام ومكابرتي أن أسامح". هذا ما قاله مؤلف الكتاب جيرالد جامبولسكي وأضاف أنه من خلال فهمه لدروس التسامح التي منحته إحساسا بالحرية الشخصية والأمل والطمأنينة والسعادة التي تتوافر عن طريق آخر.
فالتسامح يحررنا من أشياء كثيرة فهو يخمد معاركنا الداخلية مع أنفسنا ويتيح لنا فرصة التوقف عن استحقار الغضب واللوم، إن التسامح يسمح لنا بمعرفة حقيقتنا الفعلية مع التسامح الذي بقلوبنا يمكننا في النهاية ممارسة الإحساس الحقيقي بالحب.
التسامح هو أفضل علاج على الإطلاق يسمح لنا بأن نشعر بترابط أحدنا بالآخر وبكل أمور الحياة، إن للتسامح قدرة على علاج حياتنا الداخلية والخارجية فبوسعه أن يغير من الطريقة التي نرى بها أنفسنا والآخرين وكيفية رؤيتنا للعالم فهو ينهي بصفة قاطعة وللأبد الصراعات الداخلية التي عانى منها الكثيرون منا وكانت بداخلنا في كل لحظة وكل يوم.
وسيتسمر التسامح روح العلوم التي تدرسها مراكز العلاج السلوكي والذي يضفي جواً من الراحة والحرية على حياة الناس حتى وهم يواجهون أقصى المواقف وهذا الكتاب الصغير الذي بين أيدينا هو حصيلة أعوام من سماع قصص العلاج ويقول المؤلف أنه على يقين تام بقوة التسامح التي لا نظير لها وبينما يقوم بتغيير عقولنا نتنقل إلى ساحة الطمأنينة بلا اعتبار لتحديات الحياة التي نواجهها.
واخيرا يتمنى المؤلف للقارئ أن نعثر من خلال صفحات هذا الكتاب على وسيلة نحصل بها على حياة أكثر سعادة وسلامة وحرية فنحن في هذه المرحلة معاً ويقيني واعتقادي أننا سنسر جميعا في توفير المزيد من المرح والسلام من خلال ممارسة عملية التسامح ليس فقط مع أنفسنا ولكن مع الآخرين.
أشعر بالخوف من أن أسامح هذا الشخص وإذا فعلت فهل أتغاضى عما فعله وأن يكون التسامح بمثابة أداء رسالة إليه بأنني أوافقه على فعله هذا.
أشعر بسبب ما أصابني من جراح أن هناك سلكا من الأسلاك الشائكة حول قلبي إما قلبي فقد تحول إلى حجر ولا أستطيع تغيير هذه القسوة التي أشعر بها تجاه ذلك الشخص كلما تذكرت ما فعله.
أتردد بين رغبتي في أن أنتقم وهذا الشخص الذي جرحني ورغبتي في محو كل شيء من ذاكراتي. لا يمكنني أن أغفر لنفسي ما فعله أني لا أستحق ألا أكون سعيدا مرة أخرى.
أحب أن أكون قادرا على نبذ هذه المشاعر الكريهة التي أحملها تجاه ذلك الشخص ولكنني أخشى إذا نبذتها أن أتأذى مرة أخرى. إني لواثق من إنني سأشعر بتحسن إذا تخليت عن هذا الغضب الداخلي ولكني لا أستطيع حتى تصور كيفية قيامي بذلك.
مثل هذه الأسئلة والأفكار قد تخطر بذهننا حين نجلس لنكتب أسماء الأشخاص والمواقف التي يمكن أن نصفح عنها وليست هناك إجابات سهلة وسريعة لتلك الأسئلة ولمن لقد ألفْ هذا الكتاب على أمل وقناعة بأنه قد يعين القارئ على إلقاء نظرة فاحصة على طبيعة التسامح إنه عن تدبر مميزات ومساوئ التخلص عن المظالم التي واجهناها في حياتنا وكما ستكتشف بنفسك قريبا أن القائمة التي أنهيتها لتوك ستساعدك على التركيز على حقيقة ما يمكن أن يفعله التسامح في حياتنا.
"التسامح هو أن ترى نور الله في كل من حولك مهما يكن سلوكهم معك".
الفصل الأول : جذور التعاسة
قبل الحديث عن التسامح دعنا نستكشف جذور التعاسة وبمعرفتنا من أين تبدا التعاسة يمكننا النظر إلى العالم بطريقة مختلفة.
فالحياة في العصر الحديث الذي نحيا فيه تجعل من اليسير أن نعتقد أن المال وتراكم الأشياء المادية حولنا هما اللذان سيوفران لنا السعادة ولكن المشكلة هي أنه كلما تراكمت الأشياء احتجنا إلى المزيد ومهما يكن ما تملكه لا يبدو كافيا أبدا، إن هناك كثيرا من المغريات في هذه الحياة نلقي عليها تبعية تعاستنا أو قلة ما يمتلكه من أموال ومقتنيات وإننا لو نظرنا حولنا سوف نرى أشخاص لديهم أكثر ما لدينا ويبدو أنهم أكثر منا سعادة ثم نتجه إلى أشخاص آخرين وننشد ملء الفراغ الكامن في نفوسنا من خلال علاقاتنا بهم.
ونظل ندور في حلقة مفرغة محبطين وتعساء لأنه لا المال ولا الأشياء المادية ولا حتى علاقاتنا الاجتماعية تجعلنا سعداء قد نملك بعض اللحظات السعيدة ولكنها تبدو غير ملائمة وقد نبدأ في الشعور بأننا محاصرون في الحياة وقد نتساءل ما البديل؟.
ما هذا الشي الذي بداخلنا ويجعلنا ننشد السعادة من خارج أنفسنا هل يمكن أن نطلق عليه اسما ولنطلق اسم الأنا على هذا الجزء الذي بداخلنا ويهتم بالأشياء الخارجية فالأنا دائما تحاول تبرير وجودها بحياتنا يزعم إنها تسعى لما فيه صالحنا إذ أن أجسادنا تحتاج إليها للبقاء ومن السهل ملاحظة أن الأنا ترى في السعادة والحب وراحة البال أعداء لها لأننا عندما نستمع بحالتنا النفسية فنحن إنما نستمتع بكينونتنا الروحية فنرى العالم مختلفاً تماما عن محاولة الأنا تصويره لنا.
وفي النهاية فسعادتنا أو تعاستنا تقاس بالدرجة التي نقبل بها النصيحة من الأنا فكر فيما يحدث عندما نحاكم الآخرين وتكبح السماحة من أن تنطلق أو نتمسك بالشكوى والألم والإحساس بالذنب فما نحسه في مثل تلك الأوقات يعوقنا أن نجرب الحب والسلام والسعادة فيضاعف شعورنا بالتعاسة ونصبح من الباحثين عن أخطاء الغير ولوم العالم والظروف من حولنا عن تعاستنا.
إن التسامح عملية تحويلية فمن داخلنا يمكن أن ندع النموذج الذي يقول أنه ينبغي أن نبحث خارج أنفسنا عن السعادة الحقيقة وبتغيير بسيط في رؤيتنا للأمور ممكن أن تتخطى جوهرنا الروحي الحق لنكتشف في الحال ذلك الذي كان دائما منبع حبنا وسلامنا وسعادتنا فما حدث ليس أكثر من هفوة بسيطة ولا داعي للتحقيق في الأمر وتضخيمه.
يمكننا أن نتعلم التسامح في أي شي ومن أي شخص وبصرف النظر عما يومن به سواء أكان الماضي الذي مر به أو الطريقة التي عامل بها الآخرين من حوله.
"التسامح هو أقوى علاج على الإطلاق".
نموذج التسامح:
يعطينا المؤلف نموذجا شخصيا عن التسامح وذلك من خلال سيدة من سويسرا تبرعت بكامل ثروتها إلى الجمعيات الخيرية وهي في الثلاثة والتسعين من عمرها وكان لديها لوحة من القرن الثالث عشر قررت أن تهديها لمؤلف الكتاب جيري جامبولسكي واتصلت به من خلال صديق لها من الولايات المتحدة وقد عرف المؤلف أن هذه السيدة بعد موت زوجها منذ عدة سنوات أصبحت سيدة عجوز قاسية وغريبة وكان التعامل معها صعبا وكانت دائما ما تضايق الآخرين وتدخل معهم في جدال وعندما بلغت الخامسة والثمانين أعطاها صديق نسخة من كتاب "الحب يبدد الخوف".
أصبح الكتاب هو شغل السيدة وسرعان ما بدأت تسامح كل أولئك الذين شعرت بأنهم آذوها في حياتها وقد سامحت نفسها على السلوك الذي شعرت أنه تسبب في أن يشعر الآخرين بالألم ولم يكن لائقا وتغيرت حياتها على نحو عجيب فلم تعد قاسية أو غريبة الأطوار بل أصبحت خالية من الهموم وأشد ما تكون مرحا عن حياتها من قبل ولتحتفل بهذا التحول فغيرت اسمها إلى هابي "أي سعيدة".
وقد قامت هابي بترجمة ونشر كتاب "الحب يبدد الخوف" إلى اللغة الفرنسية قبل أعوام دون أن يعلم المؤلف قبل مقابلتها.
وقام المؤلف بزيارة هابي هو وزوجته في سويسرا وقد مضوا معها ثلاثة أيام وقال المؤلف أنه يمكن القول أنها تحيا بكل ما يحويه اسمها من معنى فقد كانت واحدة من أكثر الشخصيات التي قابلتها حبا للسعادة والسلام للناس.
وعندما سألها المؤلف عن سر التغيير الإيجابي في حياتها قالت" أنها تخلت عن كل آرائها" عاد المؤلف وزوجته إلى بلادهم وبعد ثلاثة أسابيع تلقوا مكالمة تنعى لهم أن هابي قد ماتت على فراشها بسلام كما تنبأت لنفسها.
وإلى يومنا هذا والمؤلف يفكر في قصة هابي وكيف تحولت حياتها من خلال التسامح وأنه في غاية الامتنان لإتاحة الفرصة لمقابلة هذه السيدة وستظل هذه السيدة دائما وأبدا النموذج المثالي لكلينا المؤلف وزوجته وتذكرنا دائما بأننا لن نبلغ من العمر ما يمعننا من التغيير.
"القرار بعدم التسامح هو قرار المعاناة".
التسامح يوحي بالمعجزات
في النهاية يروي لنا المؤلف قصة من كتاب "معجزات صغرى: مفارقات عجيبة من حياتنا اليومية" للمؤلف بيتا هالبرتسنام وجوديث ليفنثال.
هناك شاب يدعى جوي يبلغ من العمر تسع عشر عاما ترك منزله وتمرد على أبيه وقد ضاق به والده بشدة وهدده بأنه سوف يتبرأ من نسبه ما لم يغير ما بعقله وبالرغم من ذلك لم يغير من رأيه وتقطعت الأواصر بين الأب والابن وقد هام الابن حول العالم ليبحث عن حقيقة نفسه وقد وقع في حب سيدة رائعة وبعد مرور فترة من الوقت أحس أن لحياته معنى وهدف.
وبعد عدة أعوام وذات يوم في إحدى مقاهي قابل صديق له الذي قال له "آسفا جد لسماعه وفاة أبيه الشهر الماضي" وذهل جوي فقد كان لأول مرة يسمع هذا النبأ فعاد إلى منزله واكتشف جذوره الدينية وانفصل عن خطيبته وبعد قضاء فترة قصيرة في البيت قرر أن يكتب رسالة إلى والده يعبر فيها عن حبه الشديد له ويطلب منه السماح.
وبعد أن كتب الرسالة طواها وحاول وضعها في إحدى فجوات الحائط وفي أثناء ذلك سقطت أمامه رسالة أخرى مطوية واستقرت أمامه فانحنى والتقطها وبدافع الفضول قام بفتح الرسالة ولم يكن خط اليد غريبا عليه فقرأها ولدهشته فقد كانت رسالة من أبيه يطلب منه أن يسامحه لأنه تبرأ من ولده وعبر عن حبه العميق وغير المشروط الذي يكنه لجوي.
وأصابت جوي صدمة شديدة وكيف يمكن أن يحدث ذلك لقد كانت معجزة ورغم صعوبة تصديق ذلك لكن ذلك قد حدث فعلا فقد كانت رسالة مكتوبة بخط يد والده ويعد ذلك دليلا لا يقبل الجدل بأن ذلك ليس بحلم.
وبدا جوي يعود إلى حياته ودارسته في الولايات المتحدة وبعد عامين دعاه صديقة على العشاء قابل هناك صديقته القديمة التي تركها منذ أعوام وتزوج منها. وليس من السهل أن نتقبل دائماً حقيقة أن نغير في الفهم ما يمكن أن يحدث مثل تلك المعجزة ويمحو العوائق التي تعوق إداركنا للحب وتوضح قصة جوي أنه حتى الموت لا يمكنه أن يقف في طريق عملية التسامح وكانت واقعة هذه الحادثة التي تسببت لنا يوما ما في الشعور بالخزي قد تلاشت مستبدلة بذلك الحب الكامن هنالك دائما والذي سيظل موجودا وإلى الأبد.
"لكي أصبح سعيدا فما علي إلا أن أتخلى عن إصدار الأحكام".
الفصل الثاني: ماهو التسامح؟؟
التسامح هو أن نشعر بالتعاطف والرحمة والحنان وأن نحمل ذلك كله في قلوبنا مهما بدا لنا العالم من حولنا.. التسامح هو الشعور بالسلام الداخلي والطريق إلى السعادة لأرواحنا..
إن قوه الحب والتسامح في حياتنا يمكن أن تصنع المعجزات.. والتسامح قوة هائلة تساعدنا على الخروج من الظلمات إلى النور ومهمتنا أن نشعر أننا النور الذى يضيئ العالم من ظلام الحقد والغضب ويحررنا من سجون الخوف والغضب التي فرضناها على عقولنا ويحررنا من الرغبة فى تغيير الماضي بكل آلامه وجروحه، فنحن عندما نتحلى بالتسامح تلتئم جراح الماضي ونشفى منها ويبقى بداخلنا إحساس بحب الله يتضاءل معه أى احساس آخر .
التسامح يمنحني كل ماابتغيه.. ماذا تريد .. هل تريد السلام الداخلي .. هل تريد السعادة... هل تريد تحقيق شئ ما.. إن كل هذه الأشياء يستطيع التسامح أن يحققها لك وأكثر ..وما أجمل أن تستيقظ صباحا وأنت مبتهج ومرتاح بعد نوم ليس فيه حقد أو غضب أو أحلام مزعجة عن أشخاص تكرههم أو تود الانتقام منهم..
اضافةتعليق
التعليقات