الطيبة الحقيقية للإنسان لا يمكن أن تظهر في كل نقائها وحريتها إلا حيال هؤلاء الذين لا يمثلون أي قوة. فالامتحان الأخلاقي للإنسانية (الامتحان الأكثر جذرية والذي يقع في مستوى أكثر عمقًا بحيث إنه يخفى عن أبصارنا) هو في تلك العلاقات التي تقيمها مع من هم تحت رحمتها، أي الحيوانات. وهنا تحديدًا يكمن الإخفاق الجوهري للإنسان، الإخفاق الذي تنتج عنه كل الإخفاقات الأخرى. (الأديب ميلان كونديرا في روايته «كائن لا تُحتمل خفته»).
ليس من السهل اقتفاء تاريخ تعذيب الإنسان للحيوانات، ومن الجدير بالذكر هنا أن هناك أشكال وأنماط متعددة لتعذيب الحيوانات والقسوة على الحيوان، نذكر منها القسوة على الحيوانات في التجارب الطبية، وتعذيب الحيوانات للاستفادة من لحومها أو جلودها أو أنيابها وقرونها وغير ذلك، إضافة إلى إهمال الحيوانات الأليفة وعدم تقديم الرعاية اللازمة لها حتى الموت.
ونعتقد أن ظاهرة تعذيب الحيوانات ترتبط بشكل وثيق بتطور قدرة الإنسان على إخضاع ومواجهة الحيوانات في بيئته، بمعنى أن الإنسان الذي بدأ علاقته مع الحيوانات بالاصطياد في العصور الغابرة كان خائفاً من الحيوانات ويحاول أن يحصل منها على غذائه بالدرجة الأولى وأن يحمي نفسه من الافتراس بالدرجة الثانية، ثم جاءت مرحلة التربية والتدجين، ثم تطوير الإنسان للأسلحة والسموم وعقاقير التخدير وأدوات الصيد والأفخاخ التي نقلته إلى مرحلة السيادة على الحيوانات.
ترتبط ظاهرة تعذيب الحيوانات بتقدّم قدرة الإنسان على مواجهة الحيوانات الموجودة في محيطه، ويُبنى هذا التقدم على عدة مراحل:
- المرحلة الأولى وهي سعي الإنسان لاصطياد الحيوانات لكي يحصل على غذائه منها مع حرصه الشديد على الدفاع عن نفسه في حال قيامها بمهاجمته.
- المرحلة الثانية عندما أصبح الإنسان قادراً على تربية الحيوانات وترويضها وتدجينها.
- المرحلة الثالثة والأخيرة اختفى فيها خوف الإنسان من الحيوانات وبدأ باستخدام الأسلحة ضدها وقام بإخضاعها للتجارب الطبية القاسية، ومنهم من أصبح يتفنن في تعذيبه.
هناك أسباب عديدة لممارسة الأشخاص تعذيب الحيوانات والقسوة المتعمدة منها تضحية في طقوس دينية أو تضحية “فنية” مثل قتل الحيوانات في الأفلام كما في الفلم المثير للجدل «Cannibal Holocaust»، أو اضطرابات نفسية مثل اضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع أو اضطرابات جنسية، بالإضافة إلى ذلك هناك بعض الأبحاث التي تبين أنه في بعض الظروف يستخدم تعذيب الحيوانات لإكراه النساء أو الأطفال والسيطرة عليهم داخل المنزل.
عندما اعتمد مكتب التحقيقات الفدرالي في السبعينات نظام يستخدم لاكتشاف وتصنيف الشخصية الرئيسية والسلوكيات الفردية بناءً على تحليل الجريمة أو الجرائم التي ارتكبها الشخص. كانت إحدى النتائج الأكثر اتساقًا التي أبلغت عنها وحدة التحقيقات الفيدرالية هي تعذيب الحيوانات والقسوة المتعمدة في مرحلة الطفولة، حيث بدا سلوكًا شائعًا بين القتلة المتسللين والمغتصبين وأولئك الذين لديهم سمات نفسية تتميز بالاندفاع والأنانية ونقص الندم.
بدأ العديد من القتلة المتسلسلين مثل جيفري «داهمر-Jeffrey Dahmer» بتعذيب وقتل الحيوانات في طفولتهم، حيث اعتمد تجميع الحيوانات الميتة على الطريق وتشريح البقايا. ومن بين القتلة الآخرين المعروفين بتعذيب الحيوانات منذ الطفولة هي قاتلة الأطفال «ماري بيل-Mary Bell» التي عرفت بقتل الحمام خنقاً، ومارسَ القاتلان «روبرت تومسون-Robert Thompson» و «إيان برادي-Ian Brady» القسوة والمعاملة الوحشية للحيوانات.
يعتبر تعذيب الحيوانات والقسوة المفرطة أحد سلوكيات المراهقين الثلاثة ويُشار إليه غالبًا بـ «ثالوث القتل-Homicidal Triad» وبالإضافة إلى سمات أخرى كالتبول اللاإرادي المستمر وإشعال النار المتعمد. يعتقد بعض علماء الإجرام وعلماء النفس أن الجمع بين اثنين أو أكثر من هذه السلوكيات الثلاثة يزيد من خطر السلوك الانتحاري لدى البالغين. كما تم إجراء بحث في بعض العوامل المساهمة في ممارسة بعض الأطفال لسلوكيات تعذيب الحيوانات والقسوة المتعمدة في مركز التدريب الدولي، وأظهرت الأبحاث أن السلوكيات في “ثالوث القتل” بما في ذلك تعذيب الحيوانات غالبًا ما ترتبط بقسوة الوالدين ومشاهدة العنف المنزلي أو إهمال الوالدين لأبنائهم.
أظهر عدد من الدراسات الإجرامية أن حوالي ثلث إلى نصف جميع القتلة الجنسيين أساءوا معاملة الحيوانات أثناء الطفولة أو المراهقة، وتكهن باحثون آخرون أن الأفعال الحيوانية في صفوف المراهقين الذكور قد تكون مرتبطة بمشاكل البلوغ وإثبات الرجولة.
هناك “ثالوث” آخر من العوامل النفسية التي ارتبطت بـ تعذيب الحيوانات وهي ثلاث خصائص محددة للشخصية «المكيافيلية-Machiavellianism» (في مجال علم نفس الشخصية، تعتبر المكيافيلية سمة نفسية ترتكز على التلاعب بالآخرين، والفتور العاطفي، واللامبالاة بالأخلاق على الرغم أن المكيافيلية لا علاقة لها بشخصية مكيافيلي التاريخية أو بأعماله، إلا أنها سميت بهذا الاسم نسبة للفلسفة السياسية لنيكولو ماكفيلي)، النرجسية والاعتلال النفسي وما يسمى أيضاً “الثالوث المظلم”. فحصت دراسة أجراها الدكتور «فيليب كافانا-Dr. Phillip Kavanagh» وزملاؤه عام 2013 العلاقة بين سمات شخصية ثالوث الظلام والمواقف تجاه إساءة معاملة الحيوانات وأعمال القسوة على الحيوانات، ووجدت الدراسة أن سمة الاضطراب النفسي مرتبطة بإيذاء أو تعذيب الحيوانات عن قصد.
لا يوجد حل سهل لمعالجة تعذيب الأطفال للحيوانات بالنظر إلى أن معظم الأطفال يتعلمون السلوك المعادي للمجتمع من حولهم، إلا أن أفضل طريقة لمنعه هي التدريس بالقدوة؛ فالآباء هم المفتاح. بالتالي السلوك الإيجابي للمجتمع من قبل الوالدين ونماذج القدوة الأخرى تجاه الحيوانات، مثل إنقاذ العناكب في الحمام، وإطعام الطيور، ومعاملة الحيوانات الأليفة كعضو في الأسرة لديه القدرة على ترك انطباع إيجابي دائم على الأطفال.
اضافةتعليق
التعليقات