هناك حالة ايجابية نراها تتكرر في كثير من الأوقات وهي أن أي أنسان يتوفاه الأجل فنرى كل من يعرفه أو من لا يعرفه يتكلم عن فضائله وكثير من إنجازاته ودوما ما يتجنب الكلام السلبي وذلك تطبيقا لما متعارف عليه من قول " إذكروا محاسن موتاكم".
وهذا شيء إيجابي ويزداد أهمية إذا رافقه الدعاء للمتوفي وكذلك إهدائه الآيات وثوابها إلى روحه وكم فكرنا بفرحة ذويه وهم يرون أن هناك كثيرين ممن يدعون إليه بالخير وبالرحمة.
ولكن هناك إستفسار يقفز مباغتاً ومعاتباً للطبيعة البشرية، لما لا نتذكر كثيرين ولا نعطهم حيز من الإحترام والتقدير وحتى الدعاء إلا عندما يموتون، هناك من ينتظر في حياته أن يسلط الضوء عليه ولو لوقت قصير وأن يعنى بقليل أو قدر معقول من الإهتمام ولكننا نتجافى عن ذلك إنشغالاً في سرعة الحياة وروتينها المكرر، أو لأسباب أخرى قد تكون شخصية تختلف نسبتها من شخص لآخر ولو أننا إتجهنا بأنظارنا إلى كثير من المبدعين العالميين على مر العصور في مجالات متنوعة من رسم واختراعات وأدب وشعراء وكثير من الأمور نجد أنهم لم يحصلوا على المكانة التي يستحقونها او قدر قليل منها إلا بعد وفاتهم.
ففي مجال الفن نجد أن لوحات عالمية يصل سعرها إلى ملايين الدولارات في حين أن الرسام الذي رسمها قد مات من الفقر والعوز.
ونجد الكثير من الأدباء والمبدعين في نهاية أعمارهم مهملين في دور الرعاية للمسنين وليس هناك من يقدر العمر الذي أفنوه في رفد الثقافة والأدب بكثير من جهد في أوج شبابهم وعطائهم.
الموضوع أكبر من يكون له ضلع بسياسة دولة او قارة ما، الخلل يأتي من عدم تقدير الانسان وإحتوائه لأخيه الإنسان لأسباب كثيرة لا يسعه إلا الندم حين يدرك أن الموت كان أسرع من انتظارنا الوقت المناسب.
وفي خضم هذا الموضوع تجولنا بين فئات مختلفة من المجتمع لنعرف آرائهم في كوننا لا نتذكر الانسان أو نمجده إلا بعد موته..
فأجابت الكاتبة مروج حسين:
"لأن شعور الفقد رهيب ولا يمكن الاحساس به الا بـعد رحيل من نحب، الموت صفعة لواقع مرير كان يلهينا عن اشياء بسيطة نراها بعد رحيلهم عظيمة، مجرد موت شخص قريب سينتابنا شعور الندم على لحظات كنا نستطيع أن نكون بجانبه ولم نستغلها، وهذا كـلـه بلا نتيجة فالتحسف والندم مجرد احاسيس لاتوقظه ولا تعيده للحياة، لذا اخالفك الرأي بشأن تمجيد الاموات..".
وشاركت الرسامة عذاري البدري برأيها فقالت:
هو ندم يكون لأنك تستحضرين كل محاسنه ولحظاته الحلوة وتنسين الخلافات التي حدثت معه، والاشتياق له دور كبير اذا كان هذا الشخص قريب ومتواجد بكثرة حولك فتبدأ تفتقده وتنتبه انه كان يشغل حيز كبيرا وله دور بكثير من الأمور التي هو يهتم بها ويعملها بنفسه كواجباته مثلا.
وأما الشاعرة الشعبية شيرين فارس فلها رأي يختلف:
"بالعراق حصراً هنالك تمجيد للموتى على حساب الأحياء حتى وإن كانت منجزات الميت ليست ذات مستوى مع العلم انهم لم يكونوا يعرفون الميت او انجازته إلا بعد ان يموت او بيوم وفاته تحدث ماتسمى "بالطشه العراقية" وشكراً".
ومن أقوال وحكم الأمام علي "عليه السلام" بدأت هالة الوائلي فتذكر:
هناك قول للامام علي عليه السلام: الناس نيام ان ماتوا انتبهوا.
عندما يموت لنا شخص ننتبه بأننا خسرناه ونشعر بالندم على اشياء كانت بيننا وبينه أو تقصير بحقه ونبدأ نذكر تفاصيل ايامنا معه.. لكن بعد موته لا فائدة من الندم.
وترى الكاتبة والشاعرة الشابة الاء الشبلي:
بأن كل شخص يتصرف حسب ظروفه وتفكيره، قد يكون أحيانا الحب هو الدافع، وأحيانا الإنشغال والشعور بالتقصير إتجاه الشخص المتوفي، هو مايجعل البعض يمجدون ذكراه،
أما لو تحدثنا عن المظاهر في مجتمعنا فحدث ولا حرج!.
ومع الكاتبة رسل حكمت وإنصافا للبعض فتعتبر تمجيد المتوفى حديثاً طبيعيا وأن أسباب نسيانه في حياته تعود الى انشغال ومن ثم ندم على الخسارة الكبرى حيث لا نملك بعدها لحظة تراهم العين إلا حلما يأتي بين حين وحين اخر بعيد.
ومن كردستان العراق كان للدكتورة لهيرو أحسان رأي مختلف وهو:
الاهتمام بالانسان أياً كان يكون عندما يعيش ويتنفس هواء الحياة، لذا الاهتمام بعد الموت هو على الأغلب مظاهر وفي أحيانٍ كثيرة يكون رياءا ليس حباً في الميت وإنما لأهل الميت أو شخص معين تربطه صلة مباشرة او غير مباشرة به لأنه عندما يموت الانسان لايبصر ماتشعر وتفعل كرد فعل لغيابه!.
وهناك حالة اخرى تكاد تكون دستورا بين الناس وهي تمجيد الموتى وإهمال الأحياء فمن كان مريضا او في ضيق او مصيبة لا نستطيع او نتكاسل ان نسرق دقائق من وقتنا لزيارته او الاطمئنان عليه وعندما يموت نتسابق اينا يصل اسرع الى مجلس عزائه ونعزي ذويه ونعدد ألف عذرٍ وعذر ابعدنا عنه وهو حي أو عرفنا اهميته وانجازاته، ويالها من غرابة ان يكون مغادرتك لهذا العالم شرط لإحساس الناس بك أو التعرف عليك أو الاعتراف بأهميتك وكأن الموت هي بطاقتك التعريفية.
وفي تبيين الأسباب تناولت الكاتبة الشابة عبير القيسي عدة أسباب منها:
إنشغال الحياة تجبرنا بشكل أو بآخر فننشغل أو نبتعد، والموت لا ينتظرنا متى نهتم، للأسف انشغالنا ليس مبرر وتأنيب الضمير لربما هو الذي يرافقنا بعد موت الشخص، تأنيب الضمير على تقصيرنا على سؤال كان لا يأخذ من وقتنا دقائق، إهتمام لا يأخذ من حياتنا شيء، ومحبة لا تعكر أيامنا، وأقولها وبمرارة نحن لا نشعر بقيمة الشخص وسؤاله عنا إلا عند رحيله عن الحياة.
وترى المحامية الشابة حكيمة كاظم السبب:
"ممكن يكون حسرة أن هذا الشخص لم يعد موجود يبقى كل حرف لم يقال غصة بالقلب كل رسالة دون رد تخنق وتؤلم".
وأما الشابة أبرار صباح/ خريجة آداب انكليزي فتقول:
من الممكن أن يكون ندم وأن هذا الشخص كان متواجدا بيننا ولم نلتفت له ونصحوا بعد فقدانه للأبد.
الموت هو إنتقالنا إلى حياة أخرى، إلى خلود يختلف عن صفة الفناء التي تميزت بها الدنيا ولكننا نبقى نخشاه وخاصة إذا طال لقاء من نحب وتركنا نعيش ألم الفراق والشوق لهم، لكن هناك أمل بأن يكون اللقاء في الجنة بأذن الله تعالى.
إلى كل من يحمل رسالة يود إيصالها لأب، لأم، لأخ، لأي غال، أو صديق، قل ما تود قوله الان فلن تعرف متى موعد الفراق فالله قهر عباده بالموت، ولكنه بذات الوقت يرزقهم الصبر والسلوان ويأجرهم على حزنهم، وآل بيت "محمد صل الله عليه واله" مثال قوي عن الصبر وعن تحمل أمر الله لما مروا من كثير من المصاب الأليم فبهم نقتدي صلوات الله عليهم وبركاته.
اضافةتعليق
التعليقات