الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وقد فرضه الله على كل مسلم بالغ عاقل مستطيع. هو ليس فقط رحلة روحية تقرب المؤمن إلى الله، بل هو أيضًا تجمع عالمي للمسلمين يعزز الوحدة والأخوة بينهم. إلا أن القدرة على أداء الحج ترتبط بالاستطاعة المالية والصحية.
المؤمن الذي يبقى في دياره ولم يتمكن من الذهاب إلى الحج يجد في قلبه مزيجًا من المشاعر المتضاربة. فمن جهة، هو يشعر بالحزن والأسف لأنه لم يستطع أداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، ومن جهة أخرى، يحمل في قلبه الأمل واليقين بأن الله سبحانه وتعالى يعلم ظروفه ويقدر نياته. والسعي لنيل فرصة حج بيت الله الحرام قد لا تتوفر لكل مسلم. ففي كثير من الأحيان، تكون الظروف الخارجة عن إرادة الإنسان هي التي تحول دون تمكنه من الذهاب إلى الحج.
قد تكون هذه الظروف مالية، أو صحية، أو حتى سياسية وأمنية. في مثل هذه الحالات، يجب على المؤمن أن يتذكر أن الله سبحانه وتعالى رحيم وعادل، وأنه يثيب المؤمن على نياته. فقد قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". فهناك عدة اعمال يستطيع المؤمن يعوض عدم تمكنه من فريضة الحج.
فالمؤمن الذي لا يستطيع الذهاب إلى الحج يمكنه أن يستغل وقته في أداء العبادات الأخرى التي تقربه من الله. يمكنه أن يصوم، ويصلي، ويتصدق، ويقوم بالأعمال الصالحة التي تثقل ميزانه يوم القيامة. الحج هو فرصة عظيمة لتطهير النفس والاقتراب من الله، لكن العبادات الأخرى لا تقل أهمية في تحصيل الأجر والثواب. كما أن من الأمور التي يمكن أن يقوم بها المؤمن المحروم من الحج هو الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله. يمكنه أن يسأل الله أن ييسر له أداء هذا الركن في المستقبل، وأن يجزيه خيرًا على نياته الصادقة. الدعاء هو سلاح المؤمن، ومن خلاله يمكنه أن يبث شكواه وهمومه إلى الله، ويتلقى الطمأنينة والسكينة في قلبه.
وأن يكون واثقًا من رحمة الله وعدله. فالله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وهو يعلم ما في قلوب المؤمنين من صدق النية والعزم على أداء الحج. لذلك، يجب أن يكون المؤمن مطمئنًا بأن الله سيجزيه على نيته، وأنه لم يُحرم من الأجر بسبب الظروف التي لم تكن تحت سيطرته. ومن رحمة الله بعباده أن الدين الإسلامي يقدم توجيهات وبدائل للمؤمنين الذين لا يستطيعون أداء الحج لأسباب خارجة عن إرادتهم. حيث يمكن للمؤمن أن يسعى لتعويض هذا النقص من خلال أداء العبادات والطاعات الأخرى، فالله لا يكلف نفسًا إلا وسعها. ومن هذه التوجيهات:
*القيام بأعمال الخير والعبادات: يمكن للمؤمن أن يستثمر وقته في القيام بأعمال الخير كالصدقة، والصوم، والصلاة، وقراءة القرآن. فهذه الأعمال تزيد من حسناته وتقربه إلى الله.
*الصيام والقيام في العشر الأوائل من ذي الحجة: هذه الأيام المباركة هي فرصة عظيمة للمؤمنين لتعويض عدم قدرتهم على الحج، حيث يتضاعف الأجر والثواب في هذه الأيام.
*الإكثار من الدعاء والاستغفار: يمكن للمؤمن أن يلجأ إلى الله بالدعاء والاستغفار، يسأله التوفيق واليسر في أداء الحج في المستقبل، وأن يغفر له تقصيره.
*النية الصادقة: إنما الأعمال بالنيات، والمهم أن يكون لدى المؤمن نية صادقة ورغبة حقيقية في أداء الحج. فالله يعلم ما في القلوب ويجازي على النوايا.
إن اشتراط الاستطاعة لأداء الحج يعكس رحمة الله وعدله، فالله سبحانه وتعالى يعلم أن هناك من لا يستطيع تحمل تكاليف الحج أو مشقته. هذا الشرط يظهر البعد الإنساني في التشريع الإسلامي، الذي يراعي ظروف الناس وقدراتهم.
وعلى المؤمن أن يظل متفائلًا وأملًا في أن يكتب له الله الحج في المستقبل. الإيمان بقدرة الله على تحقيق الأمنيات يعزز من معنويات المؤمن ويجعله يتقبل واقعه بصبر ورضا. ومن المهم أن يستمر في الدعاء ويظل مستعدًا لهذا الركن العظيم في حال تيسرت الظروف.
الحج هو فريضة عظيمة وركن مهم من أركان الإسلام، لكن عدم القدرة على أدائه لا يعني أن المؤمن قد فقد الفرصة للتقرب من الله أو نيل الأجر والثواب. النية الصادقة والعبادات الأخرى والدعاء هي وسائل يمكن للمؤمن من خلالها أن يبقى قريبًا من الله، ويطمئن قلبه بأن الله يعلم حاله وظروفه، وسيجزيه على نياته وعزمه.
اضافةتعليق
التعليقات