إنّ الشهيد إذا انقبضت أنفاسه، تسللت روحه شجرة طوبى، وكان إحدى ثمارها ، الشهيد رسالة و رواية ودمه كماء الورد عطره سَورَة نبض خالد ، كطنين باب الجنة يهدي لنوره من يشاء ويمنح لقلب كل محب عناق لا يفارق .
للكلمة ليث، حارس لها لأنها القيمة التي تقوم عليها قائمة السيف، تتربع على عرش القوة، تتفوه بالقضية، تكابد الوجع من أجل النور لا غيره.
الحمزة بن عبد المطلب، هو الأسد الذي لا يفارق بيت النبيّ هو الغيث المرابط شمس الظهيرة، هو البكّاء لنبع الفيض ..
لم يكن يوما مجاهرا بالمداهنة ولا مبطنا لها ، هو الحميد عند الشدائد ، مرابط النور ، همته زئير على تناقضات الطريق ، هو التليد المؤيد من الله سبحانه.
اعتمد سلام الله عليه ، التزام الثقافة المحمدية ، ومحاورة المبدأ ، وقبول الولاية حربا وحبا ..
لا سبيل إلاّ المواجهة وقع على الموت أو وقع عليه … متفانيا ، متسع الصدر ، قويا في دينه، قائما سيفه على من يعادي بيت النبوة ، لا يخاف من كل مؤامرة ، لأنه الغيب الذي يواجه الخطر ..
بيت آل ابي طالب، بيت الأوصياء .. وعباءة الغيب، وسطوة القدرة المؤيدة من الله سبحانه…
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خلق الناس من شجر شتى، وخلقت أنا وابن أبي طالب من شجرة واحدة، أصلي علي، وفرعي جعفر.. )*
ولما كانت الليلة التي أصيب حمزة في يومها دعا به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا حمزة يا عم رسول الله، يوشك أن تغيب غيبة بعيدة، فما تقول لو وردت على الله تبارك وتعالى، وسألك عن شرائع الاسلام وشروط الايمان؟ فبكى حمزة وقال: بأبي أنت وأمي أرشدني وفهمني، فقال: يا حمزة تشهد أن لا إله إلا الله مخلصا، وأني رسول الله تعالى بالحق ، قال حمزة: شهدت، قال: وأن الجنة حق، وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الصراط حق، والميزان حق، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وفريق في الجنة، وفريق في السعير، وأن عليا أمير المؤمنين، قال حمزة: شهدت وأقررت وآمنت وصدقت وقال: الأئمة من ذريته الحسن والحسين، وفي ذريته قال حمزة: آمنت وصدقت، وقال: فاطمة سيده نساء العالمين ، قال: نعم صدقت، وقال: حمزة سيد الشهداء وأسد الله وأسد رسوله وعم نبيه، فبكى حتى سقط على وجهه وجعل يقبل عيني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال: جعفر ابن أخيك طيار في الجنة مع الملائكة، وأن محمد وآله خير البرية تؤمن يا حمزة بسرهم وعلانيتهم وظاهرهم وباطنهم، وتحيى على ذلك وتموت، توالي من والاهم، وتعادي من عاداهم قال: نعم يا رسول الله، أشهد الله وأشهدك وكفى بالله شهيدا).. *
هذا مايقتضي منا جميعا ، أن نشهد ونبصم فرضا عقديا وفي كل المراحل والظروف ، أن المعدن الأصيل لا يفارق الحقيقة وأن حق محمد وآله حق الى يوم القيامة ، وان من نصر محمد وآله شاهد وشهيد ، أننا ملزمون لإحياء ذاكرة الشجاعة وأسس المواجهة قلما وحكاية ،، وإحياء أمرها بدون تردد لأن التمسك بحبل الله يعني احترام المبدأ ، وشخوص الجهاد النقي الذي لايقبل الند .
(عن إسماعيل بن أمية ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : " لما أصيب إخوانكم ومنهم حمزة أسد الله ، بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم ، قالوا : من يبلغ إخواننا عنا أننا أحياء في الجنة نرزق لئلا ينكلوا عند الحرب ولا يزهدوا في الجهاد ، قال الله : أنا أبلغهم عنكم " ، فأنزلت ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) .*
في شخص الحمزة (عليه السلام) اجتمعت الأمم على ضراوتها ، فكان القيامة التي لا تهدأ… أبت نفسه إلاّ التطوع الابدي لكلمة الله وساحتها ، قد بايع الرسول ، على الوفاء والاستقامة ، كان محض الايمان شغوفا لا يتردد وقد استكمل إيمانه في خدمة المذهب ..
وقد قال عنه رسول الله ، أنت اسد الله وأسد رسوله ..وساما عميق المعنى وثقلا كبيرا… فهو أسد في الدنيا وأسد في الآخرة بتأييد الله ورسوله.
حتى اجتمعت يد النبي والوصي ويد الله فوق أيديهم وحمزة سيد الشهداء علما شاهرا ولائه للوحي والنور البهي.
(وجاء بإسناد ، عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وآله سلم - لما رأى حمزة قتيلا بكى ، فلما رأى ما مثل به شهق).*
ما أحوجنا ، في هذا الزمن وأوقاته العصيبة ، إلى مثل شخصه الكريم ونفسه الصلدة ، وقوته وصدقه وإخلاصه في ذات الله ، فهو البصيرة التي نفذت أعماق التاريخ وصفحاته، وترجمت معنى الغضب عند احتدام الحق ضد الباطل ..
نحتاج ، إلى ذي لهجة معتقة بالنباهة والقوة والسكينة والشكيمة كما هو حمزة سيد الشهداء ، وقد أقام وطنا من العزيمة ومثالا في المواجهة ، وثأرا لا يهزمه نبل أو سيف ..
اضافةتعليق
التعليقات